للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَرِيَّةً أَنَا فِيهِمْ، إِلَى سِيفِ البَحْرِ، وَسَاقُوا جَمِيعًا بَقيَّةَ الحَدِيثِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِى الزُّبَيْرِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: فَأَكَلَ مِنْهَا الجَيْشُ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ ليْلَةً.

ــ

قال القاضى: الوشائق: شرائح اللحم بيبس الشمس، الواحد وشقة، وهو منكة القديد، والمراد فى هذا الحديث. ووقب العين حفرها، والوقبة: الحفرة فى الحجر، ووقب الدهن متقعره، وكذلك وقب الثريد: حفرته التى بجعل فيها دسمه.

وقوله فيه: " كهيئة الكثيب الضخم " (١): يفسر معنى قوله فى مالك: " مثل الظرب ". ويصحح تأويل مالك أنه الجبل الصغير (٢) وقاله غيره من أهل اللغة، وقال الخليل: هو ما نتأ من الحجارة، وما قاله مالك أصح؛ لقوله - عليه السلام - فى حديث الاستسقاء: " على الظراب والآكام وبطون الأودية " (٣) واحدها ظرب مثل وعل، وظرب مثل قرد. وقال غيره: الظرب ما كان من الحجارة. أصله ثابت فى الجبل وطرفه محدد، فإذا كانت خلقة الجبل كذلك سمى ظرب، وهذا يجمع التفسيرين.

وقوله: " ونقطع الفدر كالثور، وكقدر الثور " (٤): أى القطع. الفدرة: القطعة من اللحم، ووقع عند السجزى: " أو كقدر الثور بألعاب " وهو تصحيف.

وقوله: " سيف البحر ": هو ساحله، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " فأقمنا بالساحل " (٥).

وأكلهم منه هذه المدة الطويلة، ومثلها يتغير فيها اللحم ويفسد فى الكلية، فإما أن يكون لكثرة شحمه وودكه، كما ذكر فى الحديث أنهم اغترفوا من وقب عينه بالقلال الدهن وكثرة الشحم، والودَك مما يصون اللحم عن التغيير، أو يكون لكبره وعظمه فما يفسد منه يطرح ويطلب ما تحته مما لم يصبه الهواء، فإذا صين عنه تماسك، وقد يكون هذا الحديث إلقاء البحر إلى ساحله ميتاً لكن شخصه فى الماء، بحيث يصونه الماء ويحفظه ببرده، ومثل هذا موجود فى الموتى الذين يدفنون فى الأرض الباردة الندية لا يتغيرون، ويحتمل أنهم أولاً أكلوه طرياً، ثم اتخذوه وشائق وقديداً فأكلوا بقية الأيام من ذلك، والله أعلم. واحتج به من أجاز أكل الصيد وإن أنتن، وأنه ليس بحرام، وقد مرّ الكلام فيه.

قيل: وحمل الحديث على الكراهة أو على التغيير للطعام لأنه حينئذ من الخبائث والرجس.


(١) حديث رقم (١٧) بالباب.
(٢) الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب.
(٣) سبق فى ك الاستسقاء، ب الدعاء فى الاستسقاء.
(٤) حديث رقم (١٧) بالباب.
(٥) حديث رقم (١٨) بالباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>