للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخبر فى هذا الحديث: أن من مات على الشرك دخل النار، ومن مات على الإيمان دخل الجنة.

وعلى هذا إجماع المسلمين. وأما قول ابن مسعود: وقلت أنا: من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة. فمعناه: أنه لم يسمعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا اللفظ كما سمعه غيره، ولكنه قاله لا تقرر عنده من معنى ما أخبر به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله من كتابه [ووجهه واحدة من مقتضى ما سمعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (١).

ومفهوم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات يشرك بالله [شيئاً] (٢) دخل النار " استدل به بعضهم على صحة دليل الخطاب، وفى الاستدلال به ضعف وهو كلام من لم يميّز دليل الخطاب، إذ لا يَدل وجوبُ (٣) النار لمن مات على الكفر وجوب الجنة لمن كان على ضدّه، وإنما دليلُ خطابه أنه لا يدخل النارَ، وأما صحة قول ابن مسعود فمن دليل صحة التقسيم لا من دليل الخطاب (٤)؛ لأنه لا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات يشركُ بالله شيئاً دخل النار "،


= قال النووى: " هذا وما أشبهه من الدقائق التى ينبه عليها مسلم - رضى الله عنه - دلائل قاطعة على شدة تحريه وإتقانه وضبطه وعرفانه وغزارة علمه وحذقه وبراعته فى الغوص على المعانى ودقائق علم الإسناد، وغير ذلك، والدقيقة فى هذا أن ابن نمير قال روايةً عن ابن مسعود: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا متصل لا شك فيه، وقال وكيع روايةً عنه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مما اختلف العلماء فيه، هل يحمل على الاتصال أم على الانقطاع؟
فالجمهور أنه على الاتصال كسمعت، وذهبت طائفة إلى أنه لا يحمل على الاتصال إلا بدليل عليه، فإذا قيل بهذا المذهب كان مرسل صحابى، وفى الاحتجاج به خلاف، فالجماهير قالوا: يحتج به وإن لم يحتج بمرسل غيرهم، وذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينى الشافعى إلى أنه لا يحتج به، فَعَلى هذا يكون الحديث قد روى متصلاً ومرسلاً، وفى الاحتجاج بما روى مرسلاً ومتصلاً خلاف معروف، قيل: الحكم للمرسل، وقيل: للأحفظ روايةً، وقيل للأكثر، فاحتاط مسلم - رحمه الله - وذكر اللفظين لهذه الفائدة، ولئلا يكون راوياً بالمعنى، فقد أجمعوا على أن الرواية باللفظ أولى. والله أعلم ".
قال: " وأما أبو سفيان الراوى عن جابر فاسمه طلحة بن نافع، وأبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس ". نووى ١/ ٢٨٧.
(١) جاءت العبارة فى ت هكذا: ووحيه وأخذه منه.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) زيد قبلها فى الأصل لفظة: " على "، وهو خطأ.
(٤) يريدُ أن دليل الخطاب المسمى بمفهوم المخالفة هو إثبات نقيض الحكم المنطوق للمسكوت عنه، والمسكوت من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، ونقيض الحكم المذكور الثابت له ألا يدخل النار، وهو أعم من دخول الجنة، فابن مسعود لم يقل: إنه يدخل الجنة بالمفهوم، بل بواسطة ما ذكر، والمفهوم لا يتوقف على واسطة نحو: " فى الغنم السائمة الزكاة " فمفهومه: أن المعلوفة لا زكاة فيها، دون وقف على شىء. إكمال الإكمال ١/ ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>