للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٣ - (٩٤) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِل الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبا ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " أَتَانِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ. فَبَشَّرَنِى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مَنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ".

ــ

وصحَّ أنه ليس ثمَّ منزل ثالث سوى الجنة والنار وتميز بهذا اللفظ نازل أحدهما (١) بقى الصنف المخالف له للأخرى، فكيف جاء بنصّه بعد هذا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث جابر، وجاءت النصوص والظواهر البينة وإجماع أهل السنة على صحة ذلك.

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن زنا وإن سرق ... " على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد فى النار، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتماً، لكن من له ذنوب فى (٢) مشيئة الله من معاقبته عليها أو عفوه (٣)، ثم لا بد له من دخول الجنة. ويأتى فى تأويل هذا الحديث ما تقدم، وقول البخارى هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وغير ذلك مما قدمناه (٤).

وقوله: " وإن رغم أنف أبى ذر " بفتح الغين وكسرها، أصل الرغم بفتح الراء وضمها الذل من الرغام بالفتح أيضاً - وهو التراب - يقال: أرغم الله أنفه أذَلَّه، كأنه يلصقه بالتراب من الذل، فيكون هذا فى الحديث على وجه الاستعارة (٥) والإغْياء فى الكلام، أى وإن خالف سؤال أبى ذر واعتقاده واستعظامه الغفران (٦) للمذنبين وترداده السؤال عن ذلك، فأشبه من أرغم بما لا يُريد ذُلاً وقهراً (٧). وقيل: معناه: وإن اضطرب


(١) فى ت: أحدها.
(٢) فى الأصل: من.
(٣) فى الأصل: غفره، وكلاهما صحيح المعنى.
(٤) راجع: ما ترجم به البخارى لهذا الحديث فى كتاب الجنائز: الباب الأول فيه ١/ ٨٩.
(٥) المجازية، فأرغم الله أنفه معناه: أذله، من إطلاق السبب على المسبب، وقيل: إِنه مأخوذ من المراغمة، وهى الاضطراب والتحير، ومنه قوله تعالى: {يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة} [النساء: ٩٩]، أى مهرباً وأضطراباً، فالمعنى على الأول: وإن ذل أنف أبى ذر، وعلى الثانى: وإن اضطرب. ومعنى الإغياء أى النهاية.
(٦) فى ت: العفو.
(٧) حذف المشبه، وأقام المشبه به مقامه، ثم اشتق منه رغم، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
وفى قوله: " وإن زنى وإن سرق " قال ابن مالك: لا بد من تقدير أداة الاستفهام، أى: أوَ إن زنى يدخل الجنة، وقدر غيره أيدخلُ الجنة وإن زنى، وتكون الجملة حالاً، وترك ذكر الجواب تنبيهاً لمعنى الإنكار. إكمال الإكمال ١/ ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>