للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِى، وَرَدَّتْنِى بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بَهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " أَلِطَعَامِ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: " قُومُوا ". قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ

ــ

وفى حديث جابر وأبى طلحة أن صاحب الدار لا يستأذن فى داره، وأن من يدخل معه يستغنى عن الإذن؛ لأن دخوله معه إذن له فى الدخول.

وفى حديث أبى طلحة أن الناس لم يدخلوا إلا بإذن؛ لقوله: " ائذن لعشرة "؛ إذ لم يدعوا ولا أتوا مع أبى طلحة، وإنما دعاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جاء الطعام أذن لهم حينئذ. ففيه أن أحداً لا يدخل منزل أحد إلا بإذنه وإن علم أنه خال ممن يستتر منه؛ لأن دخول العشرة [الأولين] (١) والإذن لهم لم يكن إلا بعد تمام امرأة أبى طلحة من شغلها، فلم يكن الإذن للعشرة [الأول] (٢) إذناً للباقين حتى أذن لهم فى الدخول، مع أن فى هذا الإذن مصلحة للكافة؛ إذ لو أذن لجميعهم لضاق بهم المحل ولم يتمكنوا من الأكل، فالإذن لهم عشرة عشرة من صلاح حالهم.

وفيه مواساته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما خص به ولما لم يكن قسم ذلك بينهم على حاله دعاهم إليه جميعاً، وجمعهم عليه زمرة بعد أخرى ببركته وآياته.

وما ذكر فيه من أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصق فى العجين والبرمة وبارك، هذا كما فعل فى الماء - أيضاً - رجاء بركته كما كانت، وليس فيه ما يعترض به؛ إذ كان بصاق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير متقذر (٣) عند المسلمين، بل كانوا يرغبون في ذلك، ويحكون بها وبنخامته وجوههم.

وقوله: " ادعى خابزة " كذا للسجزى، وهو صواب الكلام، ووجهه بأنه إنما خاطب المرأة، ورواه غيره: " ادعنى " بنون، وبعضهم: " ادعونى " بزيادة واو. كله له وجه، أى اطلب أو اطلبوا لى، كما يقال: بغيته كذا وبغيته له بمعنى. قال الله تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة} (٤).

وقوله: " اقدحى من برمتكم ": أى اغرفى. والمقدحة: المغرفة. وأمر النبى بذلك، ودعاء النبى لجابر: فيه إدلال الضيف والصديق فى دار صديقه، وأمره فى ذلك بما يراه، لاسيما فى هذه القصة التى كان أمر النبى فيها وتناوله [لها] (٥) بسبب البركة والمعجزة البينة. وفيه قبول مواساة الصديق وأكل طعامه.


(١) و (٢) ساقطة من ح.
(٣) فى ح: متقذذ.
(٤) التوبة: ٤٧.
(٥) سقطت من ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>