أحدهما: أن هذا الحضور من الملائكة فى صلاة العصر موجودٌ فى صلاة الفجر؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ثم يجتمعون فى صلاة العصر وصلاة الفجر ". قال: وعلى هذا فتبطل خصوصية العصر لمساواة الفجر لها فى ذلك. وثانيهما: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما هو فى حال هاتين الصلاتين، لا بعدهما كما قد نص عليه فى الحديث حين قال: " يجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر "، ولقول الملائكة: " أتيناهم وهم يصلون، وتركاهم وهم يصلون "، قال: وهذا يدلُ دلالة واضحة على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلا الصلوات فقط، وبها يشهدون. قلت: يجاب على ذلك بأن يقال: إن وقت العصر هو وقت البيع لا وقت الفجر غالبًا. فلا مانع من تلك الخصوصية لهذا الوقت. أما الوجه الثانى فالتعبير بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثم يجتمعون فى صلاة العصر وصلاة الفجر " أن تعاقبهم وحضورهم قبل الصلاة لا فى حالها، ولم يرد فى الحديث ما يمنع استدامة الاجتماع بعدها. وقد ذهب القرطبى إلى اختيار القاضى فيما ذهب إليه أول الكلام فقد قال: ويظهر لى أن يقال: إنما كان ذلك لأنه عقب صلاة الوسطى. قلت: قد قال القاضى: لشدة الأمر فيها، فشمل هذا التأويل من القرطبى وغيره. راجع: المفهم ١/ ٢٨٨. قال الأبى: الأحسن ألا يجعل بعد العصر قيدًا فى الوعيد المذكور؛ لأن القصد التحذير عن إنفاق السلعة باليمين الكاذبة، فترك التقييد بالزمان أزجر؛ ولذا لم يقيده بذلك فى الحديث السابق، لا يقال ذلك مطلقُ فيُردُّ إلى هذا المقيد الأخص؛ لأن هذا إنما هو أخص باعتبار اللفظ، وأما باعتبار المعنى فذلك أخص؛ لأنه كلما ثبت الوعيد على إنفاقها بالحلف الكذب مطلقًا ثبت على إنفاقها به بعد العصر، دون عكس، وإذا كان أخصَّ انبغى الردُّ إليه. إكمال ١/ ٢١٧.