للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٠ - (٢٢٠٥) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ المُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ، فَإنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ فِيهِ شِفَاء ".

ــ

قال الإمام: ذكر ههنا هذه الفصول من الطب والعلاج، وقد وقع فى بعضها تشنيع ممن فى قلبه مرض. ومن ناشئة المتلاعبين من يلهج بذكر هذه الأحاديث استهزاء، ويقول: الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال ما يسْهِل؟. ويقولون أيضاً: الأطباء مجمعون على أن استعمال المحموم الاغتسال بالماء البارد خطر وقرب من الهلاك لأنه يجمع المسام، ويحقن البخار المتحلل ويعكس الحرارة لداخل الجسم فيكون ذلك سبباً للتلف وكذلك أيضًا يقولون: إن الأطباء ينكرون مداواة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من شدة الحرارة والحراقة، ويرون ذلك خطرًا!!

وهذا الذى قالوه جهالة، وهم فيها كما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} (١).

ونحن نبدأ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الأول: " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله ": فهذا فيه تنبيه [حسن] (٢) [بين] (٣)، وذلك أنه قد علم أن الأطباء يقولون: إن المرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعى، والمداواة رده إليه وحفظ الصحة بقاؤه عليه، فحفظها يكون باصلاح الأغذية وغيرها، ورده يكون بالموافق من الأدوية المضادة للمرض.

وبقراط (٤) يقول: الأشياء تداوى بأضدادها، ولكن قد تدق وتغمض حقيقة المرض وحقيقة طبع العقار والدواء المركب، فتقل الثقة بالمضادة التى هى الشفاء، ومن ههنا يقع الخطأ من الطبيب، فقد يظن العلة عن مادة حارة وتكون عن غير مادة أصلاً، أو عن مادة باردة أو حارة دون الحرارة التى قدر فلا يكون الشفاء.

فكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلافى بآخر كلامه ما قد يعارض به أوله، بان يقال: فإنك قلت: " لكل داء دواء " ونحن نجد كثيرًا من المرضى يداوون فلا يبرؤون. فنبه على أن ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء، وهذا تتميم حسن فى الحديث، وما قلناه واضح حتى نظمه الشعراء فقالوا:

والناس يلجون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار


(١) يونس: ٣٩.
(٢) من ع.
(٣) من ح.
(٤) هو ابن إبراقيلس ولد فى جزيرة ألوس بآسيا الصغرى ٤٦٠ ق. م، درس الطب على والده، عاش ٩٥ سنة انظر: قصة الحضارة ٧/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>