وقد تأول بعض الناس كلماته هؤلاء حتى يخرج عن كونها كذباً، ولا معنى لأن يتحاشا العلماء مما لم يتحاش منه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن قد يقال: إن المراد بتسميتها كذباً على ظاهرها عندكم فى مقتضى إطلاقكم عند استعمالكم اللفظ على حقيقته، ألا تراه يحكى عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال لسارة:" أخبريه أنك أختى، فإنك أختى فى الإسلام "، ومن سمى المسلمة أختًا له قاصدًا أخوة الإسلام فليس بكاذب، لكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أطلق عليه لفظة الكذب [لما قلناه](١) من أن الأخت فى الحقيقة المشاركة فى النسب وأما المشاركة فى الدين فأخت على المجاز، فأراد بها كذبة على مقتضى حقيقة اللفظ فى اللغة، وعلى أن قوله:" إنها أختى "، قد يكون فى ذات الله، إذ أراد بها كف الظلم وصيانة الحريم، لكن لما كان له فيها منفعة ميزها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأولتين اللتين لا منفعة له فيهما، وهذا اللفظ يظهر ما فى تأويل هذا الحديث.
قال القاضى: الصحيح على القولين من تجويز الصغائر على الأنبياء، ومنها أن الكذب وإن قل فيما طريقه البلاغ لا يجوز عليهم وأن ينصب النبوة، فحاشا معصوم من قليله وكثيره، سهوه وعمده؛ وعمدة النبوة البلاغ والخبر عن الله وشرعه وتجويز كلام منه على خلاف مخبره قادح فى صدقه مناقض لمعجزته، ونحن نعلم قطعاً من مذاهب الصحابة وسيرة السنف الصالح، مبادرتهم إلى تصديق أقواله، والثقة بجميع أخباره فى أى باب كانت وعلى أى وجه جاءت، ولم يحفظ عنهم تردد ولا توقف ولا سؤال ولا استثبات