. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه السلام - بصورة دحية. وقال أصحاب هذه الطريقة: إن هذه الصور (١) قد يكون تخييلاً، فيكون موسى - عليه السلام - فقئ عيناً فخيله لا عيناً حقيقة.
وهذا الجواب عندى قد لا يقنعهم، وقد يقولون: إن علم أنه ملك وأن ذلك تخيل فكيف يصكه ويقابله بهذه المقابلة وهذا لا يليق بالنبيين؟
وقال آخرون من أصحابنا: الحديث فيه تجوز، إذا حمل عليه اندفع طعن الملحدة. ومحمله عندنا: أن موسى - عليه السلام - حاجه فأوضح الحجة لديه. وقد يقال فى مثل هذا: فقع فلان عين فلان؛ إذ غلبه بالحجة. ويقال: عورت هذا الأمر إذا أدخلت نقصاً فيه، فإذا صرف ذلك إلى غلبة موسى - عليه السلام - بالحجة سقط الاعتراض.
وهذا أيضاً قد يبعد من ظاهر اللفظ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرد الله إليه عينه "، وإن قالوا معناه: فرد الله إليه حجته، كان بعيداً عن مقتضى سياق اللفظ.
وجواب ثالث، مال إليه بعض أئمتنا من المتكلمين وهذا مثل ما قالوا فيه، وهو أنه لا يبعد أن يكون موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن الله له فى هذه اللطمة محنة للملطوم، وهو سبحانه يتعبد خلقه بما شاء، ولا أحد من عباده تمنعه فضيلته بأن يتصرف بحكم التكليف فيما ساء وسر، ونفع وضر، فإذا سلمنا لهم حقيقة الحديث وحملناه على هذه الطريقة لم يبق لهم تعلق.
ويظهر لى جواب رابع وهو: أن يكون موسى - عليه السلام - لم يعلم أنه ملك من قبل الله - عز وجل - وظن أنه رجل أتاه يريد نفسه، فدافعه عنها مدافعة أدت إلى فقئ عينه، وهذا سائغ فى شريعتنا؛ أن يدافع الإنسان عن نفسه من أراد قتله، وإن أدى إلى قتل الطالب له، فضلاً عن فقئ عينه. وقد قدمنا فى كتاب مسلم إباحته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقء عين من اطلع على قوم، وأنه حلال لهم فقء عينه إذا اطلع عليهم بغير إذنهم، على ما تقدم بيانه، ومعنى الحديث فيه؛ فكيف بهذا؟!
وإنما يبقى على هذا الجواب أن يقال: قد رجع إليه ثانية واستسلم موسى إليه، فدل على معرفته به. قلنا: قد يكون أتاه فى الثانية بآية وعلامة علم بها أنه ملك الموت، وأنه من قبل الله - عز وجل - فاستسلم لأمر الله، ولم يأته أولاً بآية يعرفه بها، وكان منه ما كان، وأحسن ما اعتمد عليه فى المسألة هذا الجواب الذى ظهر لنا، أو كالجواب الثالث الذى ذكرناه عن بعض أئمتنا، وعندى أن جوابنا أرجح منه.
قال القاضى: قال بعض الشيوخ: ليس فى لطم موسى لملك الموت ما يعظم ويشنع، وليس ذلك بأعظم من أخذه برأس أخيه ولحيته وجره إياه وهو نبى [مكرم كما ذاك ملك معظم، والنبى عند المحققين أفضل من ملك، وقد نص الله - تعالى - على ذلك فأخبر عنهما به فى كتابه العزيز، ولم يعده على موسى ذنباً، ولا استغفر منه موسى، ولا أظهر
(١) فى الأصل: الشريعة، والمثبت من ح، ع المخطوطة، والمطبوعة.