للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْلَمُهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رَشْدًا. قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (١) قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى اُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} (٢). قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ

ــ

وسؤال موسى ربه لقيا الخضر، استدل به أهل العلم على الرحلة فى طلب العلم، وازدياد العالم لعلمه منه، وفيه فضل طلب العلم والتزيد منه، ومعرفة حق من عنده زيادة علم.

وفى تزوده بالحوت، جواز اتخاذ الزاد فى السفر، وكان له فى طى ذلك آية وعلامة للقاء (٣) الخضر.

وفى شرط الخضر عليه ألا يسأله عن شىء حتى يحدث له منه ذكراً، الأدب مع العالم وترك سؤاله؛ إذا نهاه عنه لسبب يقتضيه، وأخذ العفو منه، والوقوف عند حده.

وفى اعتذار موسى له بالنسيان فى الأولى والتزامه له فى الثانية إن سأله ثالثة فراق، دليل على لزوم الوقوف عند حد العلماء، وترك الاعتراض على المشايخ، ولزوم الأدب معهم، والتسليم لهم، لاسيما إذا حققوا قصورهم عن معرفة ما عندهم، كما كان حال موسى من عدم علم ما علمه الخضر من ذلك.

وفيه حرص موسى على العلم، وأن حرصه على ذلك ومحبته له وتعجيل فائدته أوجب تبيانه لشرط الخضر فى ترك السؤال، ولذلك قال - عليه السلام - فى الحديث: " وددت أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما ".

وفى قول الخضر لموسى: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}: احتج به مشايخنا على أن الاستطاعة لا تتقدم (٤) الفعل، خلافاً للقدرية، وهو مما يحتج به من قال بثبوته، أو من يقول بالكرامات للأولياء وصدق فراستهم، لإخباره عن حاله من قلة الصبر. وكان كذلك حين قال له: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، ومثله قوله فى الحائط وكان مائلاً فأقامه بيده، وأن تحته كنز اليتيمين هذا فأقامه.

وفى إعلامه بأن وراء السفينة ملكاً يأخذ كل سفينة غصباً، وما أخبر من حال الغلام


(١) الكهف: ٦٦ - ٦٩.
(٢) الكهف: ٧٠.
(٣) فى ز: للفتى، والمثبت من ح.
(٤) فى ح: تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>