للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} (١). يَقُولُ: مَائِلٌ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} (٢). قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ الله مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَتِ الأُوَلَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا ". قَالَ: " وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ نَقَرَ فِى الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ الله، إِلا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ ".

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ يَقْرَأُ: وَكَان أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يَقْرَأُ: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ كَافِرًا.

ــ

وإنكار مكافأة المسلمين بالإحسان فى بعض الأمور، لاسيما عند الحاجة، وأن المعروف إنما يجب أن يوضع عند العلة لقوله: " قوم أتيناهم فلم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجراً ".

وفى قول الخضر أولاً: {أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ} (٣) وفى الثانية: {لَمْ أَقُلْ لك} (٤) وفى الثالثة: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك} لين الكلمة، والإغضاء للمتعلم أولاً وإن خالفه واعترض، وكذلك الصفح عن ذى المظلمة ممن لم يعرف منه قبل، فإن عاد زجر وأغلظ له القول، وهو كقوله له فى الثانية: {أَلَمْ أَقُلْ لك} قال فى الحديث: " وهذه أشد من الأولى "، فإن عاد الثالثة عوقب بالهجر والإبعاد أو غيره من العقاب.

وأختلف العلماء فى أيهما أشد من قول موسى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا [إِمْرًا] (٥)} (٦) وهو نكراً؟ فقيل: " إمرًا " أشد من " نكرا "؛ لأن الشىء الإمر العظيم، فإن فى خرق السفينة هلاك جماعة وإفساد أموالهم، وليس فى قتل الغلام إلا هلاك واحد. وقيل: النكر أشد؛ لأنه قاله عند مباشرة القتل، وتحقق وفاة النفس، والأولى مظنونه، وقد يسلمون كما كان، وليس فيه تحقق إلا إفساد المال من خرق السفينة.


(١) الكهف: ٧٦، ٧٧.
(٢) الكهف: ٧٧، ٧٨.
(٣) الكهف: ٧٢.
(٤) الكهف: ٧٥.
(٥) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.
(٦) الكهف: ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>