للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعْدًا قَالَ: اسْتَأَذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ. فَلَمَا اسْتَأَذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ الَّلاِتى كنَّ عِنْدِى، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ " قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِى وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. أَنْتَ أَغْلَظُ وَأفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ".

(٢٣٩٧) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِى سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ قَدْ

ــ

وقوله: " وعند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساء يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن ": معنى " يستكثرنه " أى يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه وحوائجهن عنده، أو يكثرن عليه من السؤال والكلام.

وقوله: " عالية أصواتهن ": يحتمل أنه قبل النهى عن رفع الصوت [فوق صوته] (١) وقيل: قد تكون علو أصواتهن لاجتماع كلامهن وكثرة أصواتهن لكثرة عددهن، لأن (*) كلام كل واحدة أعلى من كلامه - عليه الصلاة والسلام.

وقولهن: " أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هما بمعنى، وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، ولا يكون " أفعل " هنا للمفاضلة، بل بمعنى فظ غليظ، وقد يصح وصفها للمبالغة، وأن القدر الذى منها فى حق النبى - عليه الصلاة والسلام - فى ذات الله على الكفار، كما قال: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (٢). وفى تعبير انتهاك حرمة الله تعالى معتدل، وعلى قدر ذلك، وعند عمر زيادة فى ذلك، وفى معاملة الناس وعشرتهم.

وفيه دليل على أن خفض الجناح ولين الجانب والإغضاء أفضل؛ إذ كان خلقه - عليه الصلاة والسلام - قال الله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم} (٣)، وقال: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا


(١) سقط من ز، والمثبت من ح.
(٢) التوبة: ٧٣، التحريم: ٩.
(٣) التوبة: ١٢٨.
(*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "لا أن"، ومما يدل على ذلك ما نقله النووي في شرحه على مسلم (١٥/ ١٦٤) عن القاضي عياض، أنه قال: قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَبْل النَّهْي عَنْ رَفْع الصَّوْت فَوْق صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُلُوّ أَصْوَاتهنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهَا [[لا أَنَّ]] كَلَام كُلّ وَاحِدَة بِانْفِرَادِهَا أَعْلَى مِنْ صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>