للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢١٧ - (١٣٦) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحضْرَمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أمَّتَكَ لا يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ".

ــ

الخفى (١)، ومنه وسواس الحُلى، لخفى صوته عند حركته، وبناء هذه الكلمة على التضعيف يدلُ على تكرار مقتضاها، فإذا سببُ الوسوسة محض الإيمان وصريحه، والوسوسة لمن وجدها علامة له على ذلك، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢) لما سئل عن الوسوسة وما يُوجَدُ فى النفس منها أخَبَر أَنَّ موجبها وسببها محض الإيمان أو أنها علامةٌ على ذلك.

ولا يبقى بعد هذا التقرير والتفسير إشكال فى متون هذا الحديث، على اختلافِ ألفاظه، واطردت على معنى سَوِىٍّ قويم.

وعلى هذا يحمل ما جاء فى الأحاديث الأخر (٣): " يأتى الشيطان أحدَكم فيقول له: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستَعْذ بالله ولينته " (٤) وفى حديث آخر: " فليقُل: آمنتُ بالله " (٥).

أما استعاذته منه فليلجأ إلى الله تعالى أن يكفيه شغل سرِّه ووسوسته بما لا يرضاه، وأما قوله: " ولينته ": أى ليقطع التفكر والنظر فيما زاد على إثبات الذات، وليقف هناك عن التخطى إلى ما بَعُد (٦)، وليعلم أن إثبات ذاته وعلمُ ما يجبُ له ويستحيل عليه منتهى العلم وغاية مبلغ العقل.


= فقال أحدهما: " الحمد لله الذى لم يقدر منكم إلا على الوسوسة " وقال الآخر: " الحمد لله الذى ردَّ أمره إلى الوسوسة " ١/ ٣٤٠، وانظر: المعجم الكبير ١٠/ ٤١١، مشكل الآثار ٢/ ٢٥١، ولفظه فيه: " فقال: الحمد لله الذى لم يقدر منكم إلا على الوسوسة ".
(١) وهذا هو تعريفها عند أهل اللغة، وهى عرفًا: حديث النفس بالمرجوح.
(٢) سقط من الأصل.
(٣) فى ت: فى الحديث الآخر.
(٤) الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه، ك بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده، عن أبى هريرة - رضى الله عنه - ولفظه: " يأتى الشيطان أحدَكم فيقولُ: من خلَقَ كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فليستَعذْ باللهِ ولينته " ٤/ ١٤٩.
(٥) وهو حديث أبى هريرة من طريق هشام هنا.
(٦) وليس ذلك - كما ذكر القرطبى - نهيًا عن إيقاع ما وقع منها، ولا عن ألا يقع منه، لأن ذلك ليس داخلاً تحت الاختيار، ولا الكسب، فلا يكلف بها ١/ ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>