للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ليس فيه دليل أنه أذن لها ولا غمزها، وإن قالت أنها كانت ترقب طرفه، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " ما كان لنبى أن تكون له خائنة الأعين " (١). لكن لما رأى تطلعها لذلك ولم ينهها فهمت أنه لا ينكر انتصارها كما كان، ألا تراه كيف قال: " إنها بنت أبى بكر "، وهذا يدل على أنه وافقها لأنها ابتدأتها، {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} (٢). وقيل: بل لينتصف منها فلا يبقى على زينب تباعة، ولا [فى] (٣) نفس عائشة خيفة بانتصافها، ثم يرجعان إلى حسن الصحبة بعده. ومعنى " وقعت بى " بمعنى ما بعده، أى استطالت على وناولتنى بمؤذ كلامها. والوقعة موضع المعركة، وأوقع القوم بآخرين إذا فعلوا بهم فعلة منكرة، من قتل أو سبى، وكأنه - والله أعلم - من الوقع بفتح القاف، وهو جرح الرجل من الجفاء، ويغير موقع إذا [كان] (٤) مطهراً إثر الدبر.

وقولها: " فلم أنشبها ": أى أدع أمرها لشىء آخر، ولم أتركها.

وقولها: " حتى أنْحَيْتَ عليها "، ويروى: " حين أنحيت عليها " وهو أشبه هنا وأوجه، ومعناه: حين قصدتها واعتمدتها بمعارضتها وبجواب كلامها. يقال: أنحيت عليه ضرباً، وفى الرواية الأخرى بعده: " لم أنشبها أن أثخنتها غلبة "، ويحتمل أن هذه الرواية أصح وأن الأولى مغيرة مصحفة عنها، والله أعلم.

ومعنى " أثخنتها غلبة ": أى بالغت فى الرد عليها وأثقتها وقهرتها. وقد قيل فى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُم} (٥) أى أثقلتموهم بالقتل، وقيل: أكثرتم فيهم بالقتل، وقيل: بالغُنم فيه.

وقوله: " أين أنا اليوم أين أنا غدًا " استبطاء ليوم عائشة: هذا لمحبته فيها، وحرصه على أن يكون عندها، حتى استأذن أزواجه فى تمريضه عندها، ليكون عن طيب أنفسهن فيبلغ غرضه مع تطييبه أنفسهن، مع التزامه ما التزمه من العدل بينهن.

وقولها: " قبضه الله بين سحرى ونحرى " بفتح السين، السحر: الرئة وما تعلق بها، ويقال: سُحر بالضم، وكلاهما بالسين والحاء المهملتين، هذا المشهور فى الرواية. وحكى أبو على القالى عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير عن قول عائشة هذا فقال (٦): إنما هو " شجرى " بالشين المعجمة والجيم، وشبك بين أصابعه، وأومأ أنها ضمته إلى نحرها (٧) مشبكة يديها عليه، والله أعلم.


(١) أبو داود، ك الحدود، ب الحكم فيمن ارتد (٤٣٥٩)، النسائى، ك تحريم الدم، ب الحكم فى المرتد (٤٠٦٧).
(٢) الشورى: ٤١.
(٣) و (٤) فى هامش ح.
(٥) محمد: ٤.
(٦) بعدها فى ح: لهما.
(٧) فى الأبى: صدرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>