هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وعليه يتأول ظاهر هذا الحديث، حتى لا يجد ملحد فيه مطعناً ولا له به حجة.
وقوله:" لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء "، قال الإمام: اضطرب العلماء فى إعادة البهائم، ووقف الشيخ أبو الحسن الأشعرى فى ذلك، وجوز أن يُعاد المجانين ومن لم يبلغه الدعوة وجواز أن يعادوا ولم يرد عنده قطع فى ذلك. والمسألة موقوفة على السمع.
وأقوى ما يتعلق به من يقطع بإعادة البهائم قوله عز وجل:{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}(١). ومن لم يقطع على الإعادة يقول: معنى {حُشِرتْ}: أى ماتت، والأحاديث الواردة فى ذلك عنده من أخبار الآحاد إنما توجب الظن، والمراد من المسألة القطع.
وقد قال بعض شيوخنا فى قوله:" تقاد الشاة الجلحاء من الشاة القرناء ": أن المراد به ضرب مثل؛ ليشعر البارى - سبحانه - الخليقة أنها دار قصاص ومجازاة، وأنه لا يبقى لأحد عند أحد حق، فضرب المثل بالبهائم التى ليست مكلفة حتى يستحق فيها القصاص، ليفهم منه أن بنى آدم المكلفين أحق وأولى بالقصاص منهم.
ويصح عندى أن يخلق البارى - سبحانه - هذه الحركة في البهائم فى الآخرة ليشعر أهل المحشر بما هم صائرون إليه من العدل بينهم.
وسمى ذلك قصاصًا لا على معنى قصاص التكليف، ولكن على معنى قصاص المجازاة.
والقطع فى هذا لا سبيل إليه، وإجراء الكلام على ظاهره إذا لم يمنع منه عقل ولا سمع أولى وأوجب.
والجلحاء: هى الجماء التي لا قرن لها، ويقال: قرية جلحاء لا حصن لها. والأجلح من الناس: الذى انحسر الشعر عن جانبى رأسه، وسطح أجلح: الذى لم يحجب بجدار ولا غيره، ومنه حديث أبى أيوب:" مَنْ بات على سطح أجلح فلا دية له "، وهودج أجلح: الذى لا رأس له.