للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سعيد ". يظهر من مجموع هذه الأحاديث أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة، وإعلام الله تعالى بانتقال حالاتها وهو أعلم، وأن لتصرف الملك فى أمرها أوقاتاً؛ أحدها عند تحركها من النطفة إلى العلقة وهو أول انتقال أحوالها إلى حال الحمل، وعلم الملك بأنه ولد؛ إذ ليس كل نطفة تكون ولداً؛ ولهذا رأى أهل العلم أنه ليس لها في الأربعين حكم السقط.

ورأى بعضهم أنها ليس لها حرمة ولا لها حكم المراد فى الأربعين. خالفه غيره فى هذا، ولم ير إباحة إفساد المنى ولا سبب إخراجه بعد حصوله فى الرحم بوجه قرب أو بعد، بخلاف العزل قبل حصوله فيه، وهو وقت سؤال الملك ربه حينئذ عن صفة خلقه ورزقه وأجله وشقاوته وسعادته، وذلك قبل تصويره وتخلقه، ألا تراه كيف قال: " أذكر أو أنثى؟ " فيكتبان وتطوى الصحف، وفى الرواية الأخرى: " فيقضى ربك ما شاء ويكتبه "، وليس فى حديث ابن مسعود ما يخالفه لذكر ذلك بعد نفخ الروح فيه؛ لأنه قال: " ويؤمر "، والواو لا تعطى رتبة، فإنما أخبر - والله أعلم - عن حال تقدمت ثم يصرف (١) الملك فيه وقت آخر، [وذلك] (٢) عند التصوير وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه، وكونه ذكراً أو أنثى، وذلك إنما يكون بعد كونه مضغة في الأربعين الثالثة قبل تمام خلقها (٣) ونفخ الروح فيه، إذ لا ينفخ فى الروح إلا بعد تمام صورته، لكنه فى حديث ابن مسعود من رواية عمرو بن الحارث (٤) فى قوله: " إذا مر بالنطفة [ثلاث وأربعين] (٥) بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظمها ولحمها ثم قال: يا رب أذكر أو أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب، ثم يقول: يا رب، أجله " وذكر رزقه، فحمل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأنه قد ذكر أن ذلك ما يقضى الله فيه ما شاء ويكتب، فدل أنه يوجد بعد، وإنما هو كتاب كما قال: " ثم خرج الملك بالصحيفة فى يده "؛ ولأن التصوير بأثر النطفة وأول العلقة وفى الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما التصوير فى الأربعين الثالثة فى مدة المضغة، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا} (٦).

فهذا تفسير ما جاء فى الحديث على اختلاف ألفاًظه، ويكون معنى " نطفة " فى هذا الكتاب: تصورها " وخلق سمعها وبصرها ": أى كتب ذلك وما قضى الله منه، بدليل قوله بعد: " أذكر أم أنثى؟ وفى الحديث الآخر: " سوى أو غير سوى؟ ".


(١) فى ح: تصرف.
(٢) فى هامش ح.
(٣) فى ح: أجلها.
(٤) فى ح: الحرث، وفى الرسالة: الحريث.
(٥) فى ح: اثنتان وأربعين، وهو الصواب.
(٦) المؤمنون: ١٢ - ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>