للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله فى الحديث: " فيقضى ربك ما شاء ": فيرجع الكلام كله إلى هذا؛ ولأن خلقه جميع الأعضاء والذكورية والأنوثة على حد سواء ووقت متفق، وهذا يشاهد فيما يوجد من أجنة الحيوان مشاهدة، وهو الذى يقتضى الخلقة واستواء الصورة، ثم يكون للملك فيه تصرف آخر وهو وقت نفخ الروح فيه، وما ذكره فى الحديث من إرسال الملك له فمراده - والله أعلم بمراده - يوجهه (١) للتصرف فى هذه الأحوال وامتثال هذه الأفعال، وإلا فقد ذكر فى حديث أنس أنه موكل بالرحم وأنه يقول: " يا رب نطفة، أى رب علقة، أى رب مضغة " وهو ظاهر حديث ابن مسعود.

وقوله فى حديث آخر (٢): " فإذا أراد الله أن يقضى خلقاً قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ شقى أم سعيد؟ " ليس يخالف ما تقدم، ولا يدل أنه يقول ذلك بعد المضغة، بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى، أخبر أولاً. بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله - تعالى - إذا أراد إظهار خلق النطفة علقة وإبقاء أثرها لقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (٣)، وذلك يرجع عند تخليق النطفة علقة كما تقدم. ومثل هذا جميع ما ورد فى الرزق والأجل من قوله: " فيقضى ربك ما شاء من ذلك ويكتب " أى يظهر ذلك للملك ويأمره بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاؤه سابق، وعلمه بما يكون من ذلك وإرادته فيه متقدمة أزلية لا أول لها، وعلى هذا تتفق الأحاديث وتطابق الآية، ولا يكون بينهما تخالف ولا تعارض، ولا يجد الملحد للكلام فى ذلك سبيلاً.

وقوله: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " الحديث: هذا راجع إلى [أن الأمر بالخواتيم، فإذا كل أحد يتوفى على ما سبق له فى أم الكتاب، وذهب بعضه إلى أن] (٤) المراد به الحيف فى الوصية وهذا يبعد عن سياق هذا الحديث ولا يدل عليه، وإنما يدل على سوء الخاتمة، بدليل قوله بعده فى حديث أبى هريرة: " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار "، وفى البخارى: " وإنما الأعمال بالخواتيم " (٥).

وفى هذا أن الثواب والعقاب راجع إلى أمر الخاتمة، وأن التوبة تكفر الذنوب، وأن من مات على شيء حكم عليه به من خير أو شر إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسمح فيه لأهل الإيمان من التبعات.

وقوله: " ما بينه وبينها إلا ذراع " على طريق التمثيل للقرب من موته ودخولها بأثره مثل من وصل إلى شىء بينه وبين هذا القدر ثم منع منه.


(١) فى ح: توجيهه.
(٢) فى ح: أنس.
(٣) طه: ٧٢.
(٤) فى هامش ح.
(٥) البخارى، ك القدر، ب العمل بالخواتيم ٨/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>