للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - (٢٦٤٧) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ". قَالَ: فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: " مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ " فَقَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ". ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (١).

ــ

وقوله فى حديث على: كنا فى جنازة فى بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه مَخصرة - وفى الرواية الأخرى: وبيده عود - فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: " ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار، وقد كتبت شقية أو سعيدة ". فقال رجل: ألا نمكث على كتابنا وندع العمل " وفى الرواية الأخرى: أفلا نتكل؟ فقال: " من كان من أهل السعادة فيصير إلى عمل أهل السعادة " الحديث، وفيه: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". قال الإمام: قول الرجل للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع منه: إن الله سبحانه قد كتب السعادة والشقاوة على ما وقع فى هذا الحديث: " أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ " يلاحظ تشنيع المعتزلة علينا بقولهم: إذا قلتم: إن الله - سبحانه - خلق معصية العاصى فلم يعذبه على ما خلقه فيه وقدره عليه؟ وما فائدة التخليق (٢)، وكيف يطلب الإنسان بفعل غيره؟ وأى فائدة فى العمل وقد وقع فى نفس هذا الرجل شبهة من فائدة العمل، وأراد أن يؤكد ما عنده بقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الجواب، ودفع اعتراضه ولم يقل له: إنه صحيح، بل أخبره أن الله - جلت قدرته - يسر أهل السعادة بعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة بعمل أهل الشقاوة، وتلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن مُصدقّاً لما قال، وأخبر أن الله - سبحانه وتعالى - إذا أنفذ قدره بشقاوة عبدٍ يسَّر له عمل أهل الشقاوة وهيأه له وسهله عليه، وأتاح له أسبابه التى تعينه وتبعثه على اكتساب المعاصى، والإنسان عندنا مكتسب لفعله لا مجبور عليه.


(١) الليل: ٥ - ١٠.
(٢) هكذا فى الأصل، وفى ح والرسالة: التكليف.

<<  <  ج: ص:  >  >>