للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثِ صَالِحٍ: " حَكَمًا مُقْسِطًا " كَمَا قَالَ اللَّيْثُ. وَفِى حَدِيثِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: " وَحَتَّى تَكُوَنَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".

ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه} (١) الآيَةَ.

ــ

قال القاضى: وفى قوله: " ويقتل الخنزير ": دليل على قتلها إذا وجدت، ببلاد الكفر وبأيدى من أسلم من أهل الذمة (٢). وقيل: تُسَرَّح.

وفى قوله: " ويكسر الصليب ": دليل على تغيير آلات الباطل وكسرها، ودليل على تغيير ما نسبه النصارى إلى شرعهم، وترك إقرارهم على شىء منه، وأنه يأتى ملتزماً لشريعتنا. وقيل: معنى قوله: " ويكسر الصليب ": أى يُعطِّل أمره ويُسقط حكمه، كما يقال: كسر حجته.

وقوله: " وَيَضَعُ الجزيةَ ويفيض المال ": قيل: يُسقطها فلا يقبلها من أحدٍ؛ لأن المال حينئذٍ يفيض وتقىء الأرض أفلاذ كبدها منه، كما جاء فى الحديث الآخر، فلهذا أسقطها هو، إذ لم يكن فى أخذها منفعة للمسلمين، فلم يقبل من أحدٍ إلا الإيمان بالله. وقد يكون فيض المال هنا من وَضْع الجزية، وهو ضربْها على سائر الكفرة، إذ لم يقاتله أحد، وإذْ وضعت الحربُ أوزارها، وإذْ أذعَن جميع الناس له، إما بإسلام أَوْ إلقاء يدٍ، فيضعُ عليه الجزية ويضربُها (٣).

قوله: " حتَى تكون السجدة الواحدة [خيراً] (٤) " من معنى ما تقدم، أن أجرها خيرٌ لمصليها من صدقته بالدنيا وما فيها لفيض المال حينئذ؛ ولهذا لا يوجد من يقبله، ولهوانه وقلة الشحِّ به، وقلَّة الحاجة إليه للنفقة فى الجهاد لوضع الحرب أوزارها حينئذ، وتكون السجدة [الواحدة] (٥) بعينها أو عبارة عن الصلاة، وأهل الحجاز يسمون الركعة سجدةً، ومنه فى الحديث: " صلينا مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجدتين قبل الظهر، وسجدتين


(١) النساء: ١٥٩.
(٢) وذلك لأن الشىء المنتفع به لا يشرع إتلافه، وقتل الخنزير إشعار بهدم شعائر النصارى الدينية وخصائصهم المعاشية.
(٣) وتعقب بأن عيسى - عليه السلام - لا يقبل إلا الإسلام، ويؤيده ما جاء فى أحمد عن أبى هريرة: " وتكون الدعوى واحدة ".
(٤) فى حديث صالح.
(٥) من ت. وإنما كانت السجدة آنئذ بتلك المثابة لقصر الآمال وحدوث العلم بقرب الساعة، وقلة رغبة الناس فى الدنيا لعدم الحاجة إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>