للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتعرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، فَانْطَلَقتُ أَتَامَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَتَلَقَّانِى النَّاسُ فَوْجًا فَوجًا، يُهَنِّئُونِى بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِى المَسْجِدَ، وَحَوْلَهُ النَّاسُ. فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِى وَهَنَّأَنِى. وَاللهِ، مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ.

قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ.

قَالَ كَعْبُ: فَلَمْا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ يَبْرقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ -: " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ". قَالَ: فَقُلْتُ: أَمِنْ عِندِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: " لاَ، بَلِ مِنْ عِندِ اللهِ ". وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجَههُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ.

قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّىَ أُمْسِكُ سَهْمِىَ الِّذى بِخَيْبَرَ. قَالَ: وَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَنْجَانِى بِالصِّدْق، وَإنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَلاَّ أُحَدَّثَ إِلاَّصِدْقًا مَا بَقِيتُ. قَالَ: فَوَ اللهِ، مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلاهُ اللهُ فِى صِدْقِ الحَدِيثِ، مُنْذَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِى هَذَا، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِى اللهُ بِهِ. وَاللهِ، مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى يَوْمِى هَذَا، وَإنِّى لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِى اللهُ فِيمَا بَقِىَ.

ــ

ذلك مالك فى العتبية، يريد: لأنه ليس من مكارم الأخلاق، لا من المعير ولا من المستعير. وأما عند الضرورة فحال آخر منهما.

وقوله: " فانطلقت أتأمم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى أقصده " وتلقانى الناس فوجاً فوجاً " أى جماعة جماعة، يهنئونه بالتوبة.

وقيام طلحة له حتى صافحه دليل على جواز التهنئة والقيام والتلقى للقادم من سفر ولمن عزاه أمر عظيم، مثل هذا، وجواز المصافحة.

وقوله: " إن من توبتى أن أنخلع من مالى ": فيه شكر نعم الله تعالى بالعمل الصالح والصدقة، قال الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (١).


(١) إبراهيم: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>