للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ علَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} حَتَّى بَلَغَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} (١).

قَالَ كَعْبُ: وَاللهِ، مَا أَنْعَمِ اللهُ عَلَىَّ مِنْ نعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ إِذْ هَدَانِى اللهُ للإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ فِى نَفْسِى، مِنْ صِدْقِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَلاَّ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا. إِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا - حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْىَ - شَرَّ مَا قَالَ لأحَدٍ. وَقَالَ الله: {سَيَحْلِفونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأَوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (٢) قَالَ كعْبُ: كُنَّا خُلِّفْنَا - أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ - عَنْ أَمْرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفَوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمرنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ. فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيْسَ الَّذِى ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفنَاَ تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِليه فَقَبِلَ مِنهُ.

ــ

وقوله: " أمسك بعض مالك فهو خير لك ": دليل على كراهة صدقة الرجل جميع ماله ويبقى عالة.

وقوله: " فوالله ما علمت أحداً أبلاه الله فى صدق الحديث أحسن مما أبلانى الله به ": أى أنعم الله عليه، ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} (٣) أى نعمة. والابتلاء ينطلق على الخير والشر. وأصله: الاختبار، وأكثر ما يأتى مطلقاً فى الشر، فإذا جاء فى الخير جاء مقيداً، كما قال تعالى: {بَلاءً حَسَنًا} (٤)، وكما قال هنا: أحسن مما أبلانى. قال ابن قتيبة: يقال: أبلاه الله يبليه إبلاء حسنًا، وبلاه الله يبلوه فى السوء. وقال صاحب الأفعال: بلاه الله بالخير والشر بلاء: اختبره به، وصنعه له، وابتلاه (٥) بلاء حسنًا: فعله به.

وقوله: " وأرجى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا ": أى أخره، قال الله تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (٦) قرئ بالهمز والتسهيل.


(١) التوبة: ١١٧ - ١١٩.
(٢) التوبة: ٩٥، ٩٦.
(٣) البقرة: ٤٩.
(٤) الأنفال: ١٧.
(٥) فى ح: وأبلاه.
(٦) الأحزاب: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>