للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ شَيْبَانَ.

ــ

لم يصح حمله على ما يقوله المجسمة، من إفادته إثبات الجارحة لله - تعالى الله عن قولهم. وقد قام الدليل القاطع العقلى على استحالة ذلك عليه جلّ وعلا، وهذا واضح.

قال القاضى: وقد قيل: إنها عبارة عن شدة القدرة والقهر للنار، ومنه قولهم: وطئ الجيش بنى فلان، وقال الشاعر:

فوطئن وطئًا على خنق

وقيل: القدم هنا مستعار للذلة فى قولهم: وضعت رجلى على قفاه.

وأظهر التأويلات فيها عندى ما تقدم؛ من أنهم قوم يقدم علم الله وقضاؤه كونهم من أهلها، أو خلقهم لها، كما قال فى الحديث نفسه فى الجنة: " ولا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة ". وقوله: ولكل واحدة منكما ملؤها ". وقوله فى النار: " فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ " فالحديث يفسر بعضه بعضًا، ويرفع مفسره الإشكال عن مجمله ومتشابهه.

وفى هذا الحديث حجة لأهل السنة أن الثواب والعقاب غير مستحق بالأعمال، وقمع للمعتزلة والقدرية فى إثباتهم الثواب والعقاب على جهة العقل، وأنه بحسب الأعمال ولا يصح إلا عليها. وانظر كيف قال هنا للجنة: " فينشئ الله لها خلقًا مما يشاء " يدل أنهم ممن لم يوجد، وكان هذا ظاهره وعلى هذا يحمل أمر أولاد المؤمنين، وإيلام الأطفال والبهائم، وغير ذلك مما يفعل منه ما شاء. ولهم فى هذا اختلاط واختلاف وروغان لم يخلصهم، والكلام فيه تطويل.

وقوله فى آخر الحديث: " ولا يظلم الله من خلفه أحدًا ": يحتمل أنه راجع إلى ما قلناه، وأنه - تعالى - يعذب من يشاء ابتداء ويخلقه لذلك، غير ظالم له، كما قال: " أعذب بك مَنْ أشاء مِنْ عبادى "، ويحتمل أنّه راجع إلى ذكر محاجة الجنة والنار، وأنّ الذى جعل لكل واحدٍ منهما عدل منه وحكمة، باستحقاق كل طائفة منهم لذلك، ولم يظلم أحدًا منهم.

وفى جملة هذا الحديث، وأنّ النار تحتاج إلى مزيد، وأن الجنة يبقى فيها فضل حتى تمتلئ أى ممن ذكره: دليل على عظمها، وسعة أقطارها، مع ما جاء أنه يعطى للواحد مثل الدنيا وعشرة أمثاله. فسبحان القادر على ما يشاء، الواسع الرحمة والعطاء، العظيم الملك الفعال لما يشاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>