للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٠١٢) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزلْنَا وَادِيًا أفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِى حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، فَإذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئ الوَادِى. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى إحْدَاهُمَا فَأخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أغْصَانِهَا. فَقَالَ: " انْقَادَى عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالبَعِيرِ المَخْشُوشِ، الَّذِى يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أتَى الشَّجَرَةَ الأخْرَى، فَأخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أغْصَانِهَا، فَقَالَ: " انْقَادِىَ عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إذا كَانَ بالمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، لأمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِى جَمَعَهُما - فَقَالَ: " التَئِمَا عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَالتأمَتَا. قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أحْضِرُ مَخَافَةَ أنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِى فَيَبْتَعِدَ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبعَّدَ - فَجَلَسْتُ أحَدِّثُ نَفْسِى، فَحَانَتْ مِنِّى لَفْتَةٌ، فَإذَا أنا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلاً، وَإذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ. فَرَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً. فَقَالَ بِرَأِسهِ هَكَذَا - وَأشَارَ أبُو إسْمَاعِيلَ بِرأسِهِ يَمِينًا وَشِمالاً - ثُمَّ أقْبَلَ. فَلَمَّا انْتَهَى إلىَّ قَالَ: " يَا جَابِرُ، هَلْ رَأيْتَ مَقَامِى؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَانْطلَقْ إلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إذَا قُمْتَ مَقَامِى فَأرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ ".

ــ

قال القاضى: قال بعضهم: معناه هنا: يرفعه ويقيمه - والله أعلم - من شدة الضعف والجهد، وهو من نحو ما تقدم من التفسير. والأشبه عندى هنا أن يكون معنى "ننعشه ": أى يشد منه ويشهد له، كما قال فى الحديث: " فشهدنا له أنه لم يعطها " يعنى الثمرة " فأعطيها ".

وقوله: " وادياً أفيح ": أى واسعاً.

وقوله فى الشجرة: " فانقادت عليه كالبعير المخشوش ": هو الذى يجعل فى أنفه خشاش، وهو عود يعرض فى أنفه إذا كان صعباً، ويشد فيه حبل لينقاد ويذل، وهو مع ذلك يتمانع لصعوبته، فإذا شُدَّ عليه وألمه نزع العود انقاد شيئاً؛ ولذا قال: " الذى يصانع قائده ".

وقوله: " بالمنصف ": أى نصف المسافة.

وقوله: " فلأم بينهما ": كذا لابن عيسى مهموز مقصور بغير مد، ولغيره: "لاءم " بالمد - والهمز، وكلاهما صحيح، أى جمع بينهما، كما قال: " التئما علىّ بإذن الله "

<<  <  ج: ص:  >  >>