للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَانِى اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأسُهُ مَاءً، وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَىْ رَجُلَيَنِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيَحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وَرَأَيْتُ وَرَاءهُ

ــ

وحسنٍ، وقيل: سُمى بذلك لمسحه الأرض، أى قطعها، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وقيل: مُسِح بالبركة حين وُلد.

وأما تسمية الدَّجال بذلك فقيل ما تقدم، وقيل: بمسحه الأرض حين خروجه، وقال أبو الهيثم (١): المسيح - بالحاء - ضد المسيخ بالخاء - فبالحاء مسحه الله، أى خلقه حسناً وبالخاء مسخه، أى خلقه خلقاً ملعوناً.

ولا خلاف عند أحد من الرواة فى اسم عيسى أنه بفتح الميم وكسر السين مخففة، واختلف فى الدَّجال، فأكثرهم [يقول: هو] (٢) مثله، وأنه لا فرق بينهما، وأن عيسى مسيح هدى والدجَّال مسيح ضلالة، وكان عند بعض شيوخنا - وهو أبو إسحاق بن جعفر (٣) فى كتابه - المسيِّح - بكسر الميم والسين وتشديدها، وكذلك عند غير واحد، وبعضهم يقوله كذا - بالخاء المعجمة - وبعضهم بكسر الميم وتخفيف السين، وكذا وجدت الأصيلى ضبط هذا الحرف بخطه فى صحيح البخارى، ورأيت بخط شيخنا القاضى أبى عبد الله بن أحمد التجيبى (٤) عن أبى مروان بن سراج مَن كسر الميم شدَّد السِّين.

وأما تسميتُه دَجَّالا فقال ثعلب: سُمى بذلك لضربه فى الأرض وقطعه أكثر نواحيها، يقال منه دَجَل. وهذا مثل أحدِ التأويلات فى تسميته مسيحاً، وقيل: بل لتمويهه على الناس وتلبيسه، يقال: دَجَل إذا مَوَّه، وقيل: كل كذَّاب دَجَّالٍ، وهو من هذا المعنى وقريب منه.

وقوله: فى صفة عيسى من رواية ابن عمر: " آدَم " ومن رواية غيره: " أحمر " وقد تقدَّم. وقد يحتجُّ لكونه أحمر بقوله: " كأنما خَرج من ديماس " يعنى لحُمرته وإنما ورد " أدَمَ " فى صفة موسى، والأدمُ الأسْمَرُ، وهو خلاف الأحمر، وقد يرجع قوله: " كأنما خرَج


(١) شيخ الحنفية عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم النيسابورى الحنفى، صار أوحد زمانه فى المذهب حتى قيل: لم يبق بخراسان قاضٍ حنفىٌ إلا وهو ينتمى إليه. مات سنة أربعمائة وست. العبر ٣/ ٩٤، سير ١٧/ ١٣.
(٢) فى الأصل: بقوله.
(٣) قال فيه القاضى: شيخ صالح، من أهل الدين والفضل والعقل، أخذ عن شيوخ سبتة، واقتصر على الفقيه أبى الأصبغ ولازمه، وكان يدرس الموطأ ويتفقه عليه فيه، ألف مختصر ابن أبى زمنين على الولاء. توفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. ترتيب المدارك ٨/ ٢٠٣.
(٤) الفقيه القاضى الشهيد محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم التجيبى، ابن الحاج، أحد الفقهاء الفضلاء، تفقه بشيوخ بلدة قرطبة، وكان جيد الكتب، كثير الرواية. قتل سنة خمسمائة وتسع وعشرين. الغنية: ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>