للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ " مِنْ خَلْقِهِ " وَقَالَ: " حِجَابُهُ النُّورُ ".

ــ

المخلوق مع اتفاق الرواية على رفع السبُحات، وأنها المحرقة لما انتهى إليها البصرُ، كما قال: " ما انتهى إليه بصرُه من خلقه " فالخلقُ هنا هُوَ المحروق (١) وسُبحات الوجه هى المُحرقَة، والسُبُحات، بضم السين والباء، جمعُ سبحة، وهى النور والجلال - كما قالوا - وما فى معناها من البهاء والجمال والكبرياء والعظمة ونعوتِ التعالى، وبمعنى (٢) ذلك قوله فى الحديث الآخر: " وما منَعهُم أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه " (٣)، فإضافتها إلى الله تعالى وعود الضمير إليه هو مقتضى نظم الكلام ووجه اللفظ العربى، وإلا اختل الكلام وتناقض مفهوم اللفظ، وإذا كان هذا نظرنا إلى تأويل ذلك، فإذا جعلنا معنى " وجه الله " ذاته ووجوده، على ما اختاره الجوينى وغيره من أئمتنا، كانت إضافة السُبُحات إليها على معنى إضافة النور إليه فى الآية (٤)، وفى قوله: " أعوذ بنور وجهك (٥) إِمَّا على المِلْكِ أو الاختصاص (٦) وتكون هذه السبحات هى تلك الحجبُ التى ذُكر من النور و (٧) النار وجلال الملكوت وعظيم القدرة لو كشفها لأحرقت كل من رآها وأدركها، وهو معنى قوله إن شاء الله تعالى: " ما انتهى إليه بصرُه من خلقه ". الهاء فى بصره عائدة على خلقِه، أى لأحرقت من خلقه كل من انتهى إليه بصرهُ منهم ورأى ذلك، ويُتأوّل فى ذلك ما يتأول فى قوله: {نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} (٨) وفى تسميته نوراً ويستقيم المعنى الحقيقى وينطبق على اللفظ العربى، وعلى تفسير أهل اللغة التى لابد لنا من الرجوع إليهم فى معانى هذه الألفاظ، ومن سلك من مشايخنا فى الوجه أنه صفة (٩) - وهو قول شيخنا أبى الحسين - كانت إضافة السُبُحات إليها، والمراد الذات، لاسيما على القول بتقسيم القول فى الصفات، وأن منها ما يقال: هو نفس الذات، وإذا جعلنا الوجه بمعنى الجهة حسُن - أيضاً - أن يقال: لأحرقت السُبُحات والأنوار أو النار التى فى الجهة التى ينظرُ إليها الناظِرُ، إذا كشفها الله له وأراه إياها كلَّ من نَظَرَ إليها.

وهذه وجوهٌ كلها بينة حسنةٌ ظهَرَت بعون الله وتوفيقه. وقد قال بعض المشايخ - فى تصحيح كون الضمير فى بصره عائداً على الله تعالى -: إن الكلام إشارة إلى العموم لقوله:


(١) فى ت: المُحرق.
(٢) فى الأصل: ومعنى.
(٣) رواية عبد الله بن قيس.
(٤) يعنى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} [النور: ٣٥].
(٥) جزء حديث رواه ابن إسحاق فى السيرة وأخرجه الطبرى فى تاريخه من حديث محمد بن كعب القرظى ٢/ ٣٤٥، وانظر: سيرة ابن هشام ١/ ٤٢٠، وتفسير ابن كثير ٦/ ٦١.
(٦) فى ت: للاختصاص.
(٧) فى ق: أو.
(٨) فقد قال السدى فيها: فبنوره أضاءت السماوات والأرض. وعن على بن طلحة عن ابن عباس: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} يقول: هادى أهل السماوات والأرض. راجع: تفسير ابن كثير ٦/ ٦٠.
(٩) بمعنى تصل إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>