للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبعْهُ، فَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كاَنَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوِاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأتِيهِمُ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِى صُورَة غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُون. فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأتيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكَونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئذٍ إِلَّا الرسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِى جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعدْانَ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكَ السَّعْدانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِىَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْعَبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحَمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مَنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ

ــ

بعضكم بعضاً. قال الزجاج: الذى جاء فى الحديث: تضارونَ وتضامون بالتخفيف، أى لا ينالكم ضيمٌ ولا ضيرٌ فى رؤيته، أى تستوون فى الرؤية. وقد ذكر البخارى هذا الحرف فى بعض رواياته " ولا تُضامُون أو لا تُضَاهون " على الشك (١)، ومعناه بالهاء قريبٌ من معنى الأول، أى لا يعارض بعضكم بعضاً فى الارتياب برؤيته أو نفيها، وقد يكون معناه: لا تشبهونه فى رؤيته بغيره من المرئيات سبحانه وتعالى.

وقوله: " كما ترون القمرَ " وقوله بعد ذكر الشمس والقمر: " إنكم ترونه كذلك " تشبيه الرؤية بالرؤية والإدراك بالإدراك فى الوضوح ورفع الشك واتساع مسرح النظر، لا تشبيه المرئى بالمرئى (٢) والمدرَك بالمدرَك (٣)، ألا تراه كيف قال: " كما ترون القمر " ولم يقل كالقمر.

وتأولت المعتزلة (٤) أن معنى الرؤية هنا العلم، وأن المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة، وهذا خطأ؛ لأن رؤية العلم تتعدى إلى مفعولين ورؤية العين إلى واحد وكذا


(١) ك المواقيت، ب فضل صلاة الفجر ١/ ١٥٠، والحديث هناك من رواية أبى هريرة.
(٢) فى ت: المرئى.
(٣) يعنى تشبيه رؤية الإنسان لله فى الآخرة برؤيتة للقمر فى الدنيا لا تشبيه الله بالقمر، وهى ما أفادته عبارة المرئى بالمرئى والمدَرك بالمدرك.
(٤) أجمعت المعتزلة على أن الله - سبحانه - لا يُرى بالأبصار، واختلفت: هل يُرى بالقلوب، فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا، بمعنى: أنا نعلمه بقلوبنا. مقالات ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>