للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّارِ مَنْ كَانَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ منَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ منْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِى حَمِيلِ السّيلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحَرَقَنِى ذَكَاؤُها، فَيَدْعُو اللهَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاء اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ. ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ، قَدِّمْنِى إلى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لا تَسْأَلُنِى غَيْرَ الَّذِى أَعْطَيْتُكَ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ؛ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ! فَيَقُولُ: لا، وَعِزَّتِكَ، فَيُعْطِى

ــ

هاهنا؛ ولأن تمثيلها برؤية القمر وهى رؤية عين تدل [على] (١) أنها رؤية عين، ولأن اختصاص المؤمنين بها وأهل الجنة يدل أنها غيرُ العلم، وأما الكفار يومئذ فهم يشاركون المؤمنين فى العلم؛ ولأن الأثبات قد رَوَوْه: " ترون رَبُّكم عياناً ".

وقوله: " فَيَتَّبِعُ من كان يعبدُ الشمس الشمس " وذكر مثله فى القمر والطواغيت تمام هذا الفصل فى الحديث الآخر: " ثم يتساقطون فى النار " (٢).

وقوله: " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها " لتَستُّرهم (٣) فى الدنيا بدخولهم فى جملتهم ونفاقهم بذلك ظنوا تجويز ذلك لهم فى الآخرة، إذا اتبع كل معبود من عبده، جهلاً منهم بالله واطلاعه على أسرارهم كما جهل المشركون ذلك وقالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين} (٤) وظنوا أن ذلك يجوز لهم، كذلك المنافقون تستروا بجماعة المؤمنين فاتبعوهم ومشوا فى نورهم، حتى ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنهُ فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وانقطعت عنهم أضواؤهم وذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يُبصرون. واستدل بعضهم بأن هؤلاء هم المطرودون عن الحوض، والذين يقال لهم: " سُحقاً سُحقاً "، فالله أعلم. وقوله: " فيأتيهم الله فى صورة لا يعرفونها " وفى رواية أخرى: " فى صورة غير


(١) من ت.
(٢) حديث أبى سعيد الخدرى.
(٣) فى الأصل: لتستريهم.
(٤) الأنعام: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>