للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُعَاهِدُهُ ألا يَسْأَلهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لهُ عَليْهِ. فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأوليَيْنِ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، أَدْنِنِى مِنْ هَذِه لأَسْتَظِلَّ بِظِلهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائهَا، لا أَسْألكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلمْ تُعَاهِدْنِى ألا تَسْألَنِى غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلى، يَارَبِّ، هَذِهِ لا أَسْألكَ

ــ

يضبط نفسه من الفرح، فقال: " أنت عبدى وأنا ربك " (١).

وقوله: فى الحديث الآخر: " عطشنا " (٢)، وقوله لهم: " هل تردون " (٣) وذكر تساقطهم فى النار، هذا من مكر الله بالكافرين.

وقوله: فى جهنم: " يُحطم بعضُها بعضاً "، قال القاضى: يحطم: أى يأكُل، والحُطَمة اسم النار؛ لأنها تأكل ما ألقى فيها، والحُطَمُ الذى يأكلُ ولا يشبع. قال الإمام: قال الهروى: سُميت الحُطمة لأنها تحطم كل شىء أى تكسِرهُ وتأتى عليه.

وقال القاضى: والصَحْوُ صفاء الجَوّ من الغيْم والسحاب، وهو بمعنى قوله: " ليس دونها سحاب ".

وقوله: " فما منكم من أحَدٍ بأشدَّ مُناشدةً لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار ": كذا هى الرواية، وكذا فى جميع النسخ، وفيه تغييرٌ ووَهْم، وصوابُه ما وقع فى كتاب البخارى عن ابن بُكير: " بأشد مناشدة لى فى استقصاء الحق " (٤) يعنى فى الدنيا من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم وبه يَتمُّ الكلام ويتوجَّه.

وذكر فى هذه الأحاديث فى المعذبين من المؤمنين: " أن النار لا تأكل أثر السجود " وفى الحديث الآخر: " تُحرَّم صُوَرُهم على النار ": دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين بالنار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتى على جميعهم، ألا تراه كيفَ قال: " امتحشوا " وذكر أنها لا تأكُل منهم ما ذكر، إما إكراماً لمواضع السجود ولعظم (٥) مكانه من الإيمان والخضوع إلى غايته لله تعالى، أو لكرامة تلك الصورة التى خلق آدم والبشر عليها وفضَّلهم بها من [بين] (٦) سائر خلقه، وخصَّ أهل الإيمان بهذه الفضيلة، وذكره الصُورَ ودارات الوجوه فى الأحاديث الأُخَر يدلُّ بأن المرادَ بأثر السجود فى الوجه خلاف ما ذهب إليه


(١) سيرد إن شاء الله فى ك التوبة، ب الحض على التوبة والفرح بها عن أنس بن مالك: " لله أشدّ فرحاً بتوبة عبده ... " الحديث.
(٢) حديث أبى سعيد من رواية عطاء بن يسار.
(٣) فى ت: تدرون.
(٤) البخارى، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء ٩/ ١٥٩، لكن لفظه هناك: " فما أنتم بأشدَّ لى مُناشدةً فى الحق ".
(٥) فى الأصل: ولعظيم.
(٦) ساقطة من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>