للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٢٠ - (...) وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِر، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ - يَعْنِى مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى أَيُّوبَ - قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ الفَقِيرُ؛ قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِى رَأىٌ مِنْ رَأَىْ الخَوَارِجِ. فخَرَجْنَا فِى عِصَابَةٍ ذَوِى عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ عَلى النَّاسِ. قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلى المَدِينَةِ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدَّثُ القَوْمَ، جَالِسٌ إِلى سَارِيَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الجَهَنَّمِيِّينَ. قَالَ فَقُلْتُ لهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ

ــ

وعن عبد الله بن سلام " محمد - عليه السلام - على كرسى الرب بين يدى الله عز وجل " (١) وقد روى عن مجاهد فى ذلك قولاً منكراً لا يصح، ولو صَحَّ لكان له تأويلٌ على ظاهره، ويقرب بالتأويل من قول عبد الله بن سلام. والذى يُستخرج من جملة الأحاديث أن مقامه المحمود هو كون آدم ومَن ولد تحت لوائه يوم القيامة من أول عَرصاتها إلى دخولهم الجنة، وإخراج من يخرج من النار، فأول مقاماته إجابة المنادى وتحميده ربه وثناؤه عليه بما ذكر وبما ألهمه من محامده، ثم الشفاعة من إراحة العَرْض وكَرْب المحشر، وهذا مقامه الذى حَمَده فيه الأولون والآخرون، ثم شَفَاعته لمن لا حساب عليه من أمته، ثم لمن يخرجُ من النار، حتى لا يبقى فيها من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم يتفضَّل الله بإخراج من قال: لا إله إلا الله ومن لم يُشرك به، ولا يبقى فى النار إلا المخلدون. وهذه آخر عَرصَاتِ القيامة ومناقل المحشر، فهو فى جميعها له المقام المحمود، وبيده فيها لواء الحمد.

وقول يزيد فى هذا الحديث: " شغفنى رأى من رأى الخوارج (٢) أى لصق بشغاف قلبى وهو غلافه، وقيل: سويداؤه، قال الله فى مثله: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (٣) وروى أيضاً شعفنى - بالعين المهملة - وهو بمعناه، وقد قرئ - أيضاً -: " شعفها وحقيقة معناه: بَرَّح بها، وقيل: معناه: أخذ قلبها حبه من أعلاه، وشغف كل شىء أعلاه، وقيل: بلغ داخل قلبها (٤).

وقوله بعد: " فرجعنا، فوالله ما خرج منا غيرُ رجُل واحدٍ " أو كما قال، يعنى: أن الله نفعهم بما حدثهم به جابر، وصرفهم عن الخروج مع الخوارج، لما كان خامرهم من محبة رأيهم.


(١) لم نقف على هذا الخبر ولم يذكره القاضى فى الشفا، وقد أخرج الطبرى فى تفسيره عن على بن الحسين قال. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة مد الله مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه. قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: ربِّ، هذا أخبرنى أنك أرسلته إلى، فيقول الله تبارك وتعالى: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب، عبادك عبدوك فى أطراف الأرض " قال: فهو المقام المحمود ١٥/ ٩٩. قلت: وهو على ضعفه أليق بما ذكره القاضى هنا.
(٢) وهو قولهم بتخليد أصحاب الكبائر فى النار.
(٣) يوسف: ٣٠.
(٤) قال الضحاك عن ابن عباس: الشَّغَفُ: الحب القاتل، والشَّعَف دون ذلك، والشَّغاف: حجابُ القلب. تفسير ابن كثير ٤/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>