للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا ".

ــ

وقوله: " الصلاة نور ": يحتمل أن المراد أن يكون أجرُها نوراً لصاحبها يوم القيامة، أو أَنَّ الصلاة سببٌ لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق لتفرغ القلب فيها، والإقبال بالجسم والقلب على الله وشغل الجوارح بها عما سواه؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " (١)، وهو مثل قوله فى هذا الحديث: " والصوم ضياء "، وهى رواية بعض الشيوخ (٢)، وروايتنا فيه عن أكثرهم: " والصبر ضياء وقد يكون قوله: " والصلاة نور " على وجهه إشارة إلى الغُرَّةِ كما ورد فى حديث عبد الله بن بُسْرٍ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أمتى يوم القيامة غرٌّ من السجود مُحَجَّلون من الوضوء " (٣)، ويكون بمعنى قوله: " من صلى بالليل ضاء وجهه بالنهار " وإن كان لم يصح حديثاً فقد صح معنى، وذلك أن من لم يُصلِّ الصبح ولا توضأ للصلاة أصبح شَعِث الشعر، أقذى العينين، غير نظيف الأنف والفم، وإذا توضأ تنظف، وزال عنه الشعث، وأضاء وجهه بالنظافة.

وقوله: "والصَّدقةُ برهان " مثل قوله: " والقرآن حجة "، وقد يحتمل أن يكون برهان الصدقة على إيمان المؤمنين، ودليلٌ على الفرق بينهم وبين المنافقين الذين يلمزون (٤) المطوعين من المؤمنين فى الصدقات، إِلَّا ترى ما كان ممن ضعُفَ إيمانه فى الردة من منعها.

وقوله: " كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو مُوبقها ": يحتمل أن يكون بائع نفسه هنا بمعنى مُشترٍ وبمعنى بائع، فجاء بلفظٍ مشترك بين المعنيين؛ لأن اللفظة فى اللغة تقع على المعنيين، ثم جاء بالجواب على المعنيين جميعاً، أى من اشتراها أَعتقها، ومن باعها أوبقها، أى أهلكها، ومثل هذا قول ابن مسعود: " الناس غاديان، فبائع نفسه فموبقُها، أو مفاديها فمعتقها " (٥)، وهذا نوع من الإيجاز بديع عند أهل البلاغة، ويحتمل أن يكون البيع على الوجه (٦) المعروف وحده، أى فبائع (٧) نفسه من الله، فأعتقها كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} (٨)، أو باعها من غيره فأوبقها، كما قال فى السحرة: {وَلَبِئْسَ مَا شَروْا بِهِ أَنفُسَهُمْ} (٩). وهذا


(١) النسائى، ك عشرة النساء، ب حب النساء ٧/ ٦١، وأحمد فى المسند ٣/ ١٩٩، والحاكم فى المستدرك ٢/ ١٦٠، وهو جزء حديث عن أنس.
(٢) سبق تخريجها.
(٣) الترمذى فى الصلاة، ب ما ذكر فى سيما هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور ٢/ ٥٠٥.
(٤) اللمز: العيب فى الوجه، وأصله الإشارة بالعين والرأس والشفة مع كلام خفى، وقيل: الاغتياب، وقيل: العيب. لسان العرب، مادة " لمز ".
(٥) جزء حديث، أخرجه الطبرانى، وقال فيه الهيثمى: إسناده جيد. مجمع ١٠/ ٢٣٦.
(٦) فى الأصل: جهة.
(٧) فى الأصل. فباع.
(٨) التوبة: ١١١.
(٩) البقرة: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>