للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ". قَالُوا:

ــ

اللحاق بهم فى مقبرتهم وموته بالمدينة، وقيل: هو على مساق الكلام فى مجىء الاستثناء فى الواجِبِ ليس على طريق الشك، ومثله قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (١) على ما تقدم، أو على طريق التأدب والامتثال لقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّه} (٢)، وقيل: " إن " هنا بمعنى " إذا ". [وقيل: قالها من أجل من كان معه ممن يتهم بالنفاق] (٣).

وقوله: " وددتُ أنى رأيت إخواننا ": فيه جواز التمنى، لا سيما فى باب الخير ولقاء الفضلاء والأخيار الأولياء فى الله، وقيل: إن المراد تمنيه لقائهم بعد الموت. وقوله: " إخواننا " لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَة} (٤).

وقوله: " ألسنا بإخوانِك؟ قال: بل أنتم أصحابى ": قال الباجى: لم ينف بذلك أخوَّتَهم، ولكنه ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة واختصاصهم بها، ولم تحصُل لأولئك بعد، فوصفهم بالأخوة (٥)، وقال أبو عُمر: فيه دليلٌ على أن أهل الدين والإيمان كلُهم أخوةٌ فى دينهم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}، وأما الأصحاب فمن صحِبَك وصحبتَه (٦)، وذهب أبو عمر من هذا الحديث وغيره فى فضل من يأتى ومن فى آخر الزمان، إلى أنه قد يكون فيمن يأتى بعد الصحابة من هو أفضل مِمن كان فى جملةِ الصحابة (٧)، وأن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيركم قرنى " (٨) على الخصوص، وإن كان مخرجه العموم، وإن قرنه على الجملة خير القرون، أو معناه: خير الناس فى قرنى، يعنى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة، والمراد بالحديث (٩)، وأما من خلط فى زمانه وإن رآه وصحبه ولم تكن له سابقةٌ ولا أثرٌ فى


(١) الفتح: ٢٧.
(٢) الكهف: ٢٣، ٢٤.
(٣) من هامش ت.
(٤) الحجرات: ١٠.
(٥) المنتقى للباجى ١/ ٧١، ٧٢.
(٦) الاستذكار ٢/ ١٦٧، التمهيد ٢٠/ ٢٤٣.
(٧) يؤكد هذا ما أخرجه الترمذى وأبو داود الطيالسى من وجوه حسان عن أنس وعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمتى كالمطر، لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره ". التمهيد ٢٠/ ٢٥٣.
(٨) البخارى فى فضائل الصحابة، ب فضائل أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٣٦٥٠) عن عمران.
(٩) قال: وقد قيل فى توجيه أحاديث الباب مع قوله: " خير الناس قرنى ": إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء فى إيمانهم، لكثرة الكفار، وصبرهم على أذاهم، تمسكهم بدينهم، وإن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين، وتمسكوا به، وصبروا على طاعة ربهم فى حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصى، والكبائر، كانوا عند ذلك أيضاً غرباء وزكت أعمالهم فى ذلك الزمن، كما زكت أعمال أوائلهم.
قال: وروينا أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر أن اكتب إلىّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فإنها فضل من عمر؛ لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر، وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم. التمهيد ٢٠/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>