للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛ قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ:

ــ

مستقبل القبلة (١)، هل ذلك كمثل استقبالها للبول والغائط؟ وسببُ الخلاف: هل ذلك لأجل العورة أو لأجل الحدث؟ فمن جعل العلة الحدث جعل الجماع بخلاف البول فى الاستقبال، وفى بعض روايات الحديث: " ولكن شرقوا وغربوا " وهذا محمول على أنه إنما خاطب قومًا لا تكون الكعبة فى شرق بلادهم ولا غربها، ولعل كذلك الأمر فى مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال القاضى: قد قيل هذا الحديث لأهل المدينة ومن وراءها من الشام والمغرب؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها، وإلى هذا نحا البخارى فى كتابه (٢)، وإلى ما ذهب إليه مالك من التفريق بين القرى والصَّحارى ذهب الشافعى (٣) تعويلاً على تخصيص حديث ابن عُمَر، وما جاء من الحديث بمعناه، ولمالك قول آخر بالمنع فيهما إِلَّا فى الكُنُف للمشقة فى الانحراف فيها، وأختُلِف على أبى حنيفة، فمشهور مذهبه المنعُ فيهما - وهو قول أحمد وأبى ثور أخذًا بظاهر مجردِ النهى، والأمر بالتشريق والتغريب، وعن أبى حنيفة المنع فيهما فى الصحراء والاستقبال فى المدن دون الاستدبار، وذهب ربيعةُ وداود إلى جواز ذلك فيهما؛ اعتمادًا على حديث ابن عمر، وأنه ناسخ لكونه متأخرًا مع ما ورد بمثلِه (٤)، وروى عن أبى حنيفة - أيضًا - جوازُ الاستدبار فيهما وإنما يُمنع فيهما الاستقبال وأما الاستدبار فبحكم (٥) أن المدينة ما بين بيت المقدس ومكة، فاستقبال أحدهما استدبار الأخرى للحديث الوارد فى النهى عن استقبال القبلتين، ولحديث ابن عمر؛ من أنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستقبل بيت المقدس، ولحديث جابر: أنه رآه قبل موته مستقبل القبلة لذلك ونحوه عن أبى قتادة، وذهب النخعى وابن سيرين إلى منع استقبال القبلتين واستدبارهما، وذهب بعض شيوخنا أن ظاهر المذهب جواز استقبالها فى القرى والمدائن واستدبارها من غير ضرورة إلى ذلك واستدل بلفظٍ محتملٍ وقع له فى المدَّونةِ (٦)، وقيل فى اطلاع ابن عمر: ليس من التجسُّسِ، ولعلَّه من غير قصدٍ، أو يحتمل أنه قصد


(١) فى المدونة ١/ ٧: " أيجامع الرجل امرأته مستقبل القبلة فى قول مالك، قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئاً وأرى أنه لا بأس به ".
(٢) فى كتاب الوضوء، ب لا نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول إِلَّا عند البناء (١٤٤).
(٣) راجع: المجموع للنووى ٢/ ٧٨.
(٤) المغنى ١/ ٢٢٠.
(٥) فى ت: فحكم.
(٦) المدونة ١/ ٧. وقال مالك: إنما الحديث الذى جاء: " لا نستقبل القبلة لبول ولا لغائط " إنما يعنى بذلك فيما فى الأرض، ولم يعن بذلك القرى والمدائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>