للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القاضى: حمزة بن المغيرة هو عندهم الصحيح فى هذا الحديث، وإنما عروة بن المغيرة فى الأحاديث الأخر، وحمزة وعروة أبناء المغيرة، والحديث مروى عنهما جميعًا، لكن رواية بكر بن عبد الله المزنى إنما هى عن حمزة بن المغيرة أو بن المغيرة - غير مسمى - ولا يقول: عروة، ومن قال: عروة عنه وهِمَ، وكذلك اختلف عنه، فرواه معتمر بن سليمان التيمى فى أحد الوجهين عنه عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة، وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن التيمى، وقد ذكر ذلك مسلم، وقال غيرهم: عن بكر عن ابن المغيرة (١)، قال الدارقطنى: " وهو وهم "، وفى حديث المغيرة وغيره: ذهاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند حاجته عن الحاضرين، وهو أدب الحدث، الاستتار حتى لا يُرى له شخص ولا يُسمع صوت، وكما جاء فى الحديث الآخر أبعد فى المذهب.

وفيه وفى غيره من الأحاديث التجافى عن ذكر الاسم القبيح من الحدث والكناية عنه بإتيان الغائط والحاجة، خلاف ما قاله المشركون من التصريح بقبيحه من قولهم: علمكم كل شىء حتى الخراءة! وذلك من أدب الشرع، ترك فحش الألفاظ وقبيح القول، والكناية عن ذلك عند الحاجة إِلَّا للضرورة، وكذلك كانت عادة العرب فى كلامها صيانة الألسن عما تُصان عنه الأبصارُ والأسماع.

قال القاضى: ذهب بعضُهم إلى أَنَّ حديث المغيرة جاء فى السفر لقوله: " كُنْتُ مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سفرٍ " كما (٢) رواه مالك فى الموطأ وغيرُه: " أنه كان فى غزوة تبوك " (٣)، واستُدِلَّ منه على جواز المسح فى السفر، ومن حديث جرير وحُذيفة على جوازه فى الحضر، وأنَّ إسلامَ جرير وغزوة تبوك بعد نزول المائدة سنة تسع، ولهذا كان يعجبهم حديث جرير ليقطع به حجةُ من زعم أن آية الوضوء ناسخةٌ لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسح على الخفين، واستدل بعضهم من حديث المغيرة على جواز استعمال الأحجار مع وجود الماء بكون الإداوةِ مع المغيرة لقوله: " فتلقيتُه بالأداوةِ وصببتُ عليه من إداوةٍ كانت معى " وهذا وإن كان ظاهراً فقد يحتمل غيرَ هذا، وإن ذلك فى السفر وعدم الماء وقلته إِلَّا ترى كيف قال له بعد أن قضى حاجته: " أمَعَك ماء؟ " قال: فأتيتُه بمطهرةٍ.


(١) فى المعلم: ابن بزيع.
(٢) فى الأصل: لما، والمثبت من ت.
(٣) الموطأ، ك الطهارة، ب ما جاء فى المسح على الخفين ١/ ٣٥، ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>