(٢) ذهب الشافعى وأحمد إلى أن خبر الآحاد إذا كان خاصًا وعارض عام القرآن خصصه، فيصير بذلك العام غير دال على كل ما يشتمل عليه لفظه، بل على بعض ما يشتمل عليه، وذلك لأن عام القرآن وإن كان قطعيًا فى سنده، هو ظنى فى دلالته، وخاص السنة إذا كانت خبر آحاد فهو ظنى فى سنده، ولكنه قطعىٌّ فى دلالته، والظنى يخصص الظنى. أما الحنفية فلأنهم يعتبرون العام قطعيًا فى دلالته، فإن آخبار الآحاد لا تنهض عندهم لأن تكون مخصصةً لعام القرآن؛ لأن الظنى لا يخصص القطعى، والعام بمقتضى عمومه مبيَّنٌ لا يحتاج إلى بيان. أما مالك فإنه يجعل خبر الآحاد مخصصًا لعام القرآن إذا عاضده عمل أهل المدينة أو قياس، وعلى ذلك حرَّم مالك لحم كل ذى ناب من السباع، وكان ذلك تخصيصًا لعموم القرآن: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ محَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] وذلك للحديث الذى صرح بذلك ورواه مالك فى الموطأ، وقال عقب روايته: وهو الأمر عندنا، أى فى المدينة. أما إذا لم يعاضد خبر الآحاد قياس أو عمل أهل المدينة، فإنه يعمل بالعام ويضعف الخبر، كما هو الشأن عنده فى حديث: " إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعاً "، فإنه رده لعموم قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤]، وقال: كيف يؤكل صيده ويكون نجساً؟ راجع: أصول الفقه: ١٢٥، ١٢٦. (٣) قال ابن عبد البر: وأما المسح على العمامة فاختلف أهل العلم فى ذلك، واختلفت فيه الآثار، وكلها معلومة. وروى عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ذكرهم المصنفون: ابن أبى شيبة، وعبدُ الرزاق، وابن المنذرِ، أنهم أجازوا المسح على العمامة. =