للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن البخارى ومسلماً قد أخلا أيضاً بشرطهما فى أشياء نزلت عن درجة ما التزماه إلى ما دونها استُدركت عليهما، وفيها ألف أبو الحُسين الدارقطنى كتابه المُسمّى بـ " الاستدراكات والتتبُّع " وذلك فى مائتى حديث، مما فى كتابيهما.

ولأبى مسعود الدمشقى عليهما أيضاً استدراك فى ذلك، ولأبى على الجيانى بأخَرةٍ فى كتابه المسمى بـ " تقييد المهمل " فى جزء العلل منه استدراك أكثره على الرواة عنهما وفيه ما يلزمهما، فهذا هو النوع الأول من الصحيح الذى اقتصر عليه كتاب هذين الإمامين، وهو أرفع أنواع [الحديث] (١) الصحيح وأوَّل أقسامه المتفق عليه، وليس هو جملة الصحيح وكُله، وسنذكر أنواع الصحيح ونُنبّه على رتبته عند أئمة هذا الشأن فى موضعه من تنبيه مسلم عليه بعد هذا، إن شاء الله تعالى.

قال عياض - رحمه الله -: هذا الذى تأوَّله أبو عبد الله الحاكم على مسلم من اخترام المنيَّة له قبل استيفاء غرضه مما قبله الشيوخ وتابعه عليه الناس، فى أنَّه لم يُكمّل غَرَضَه إلا من الطبقة الأولى، ولا أدخل فى تأليفه سواها.

وأنا أقولُ: إن هذا غير مُسلَّم لمن حقق نظرَه، ولم يتقيَّد بتقليد ما سمعه، فإنَّك إذا نظرت تقسيم مسلم فى كتابه الحديث - كما قال - على ثلاث طبقات من الناس، فذكر أن القسم الأوّل حديثُ الحفاظ، ثم قال بأنَّه (٢) إذا تقصَّى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان، مع كونهم من أهل الستر (٣) والصدق وتعاطى العلم، وذكر أنهم لا يلحقون بالطبقة الأولى، وسمَّى أسماء من كل طبقة من الطبقتين المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع أو اتفق الأكثَرُ على تهمته، وبقى من اتهمه بعضهُم وصحَّحهُ بعضُهم فلم يذكره هنا، ووجدتُه - رحمَهُ الله - قد ذكر فى أبواب كتابه وتصنيف أحاديثه حديث الطبقتين الأوليين التى ذكر فى أبوابه، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التى سمَّاها، وحديثها، كما جاء بالأولى على طريق الاتباع لحديث الأولى والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد فى الكتاب للأولى شيئاً، وذكر أقواماً تكلَّم قوم فيهم وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم بمن ضُعّف أو اتُّهِم ببدعة، وكذلك فعل البخارى - رحمه الله - فعندى أنَّه - رحمه الله - قد أتى بطبقاته الثلاث فى كتابه على ما ذكر، ورأيت فى كتابه وتبينت فى تقسيمه، وطَرَح الرابعةَ كما نصَّ عليه، فتأوَّل الحاكمُ أنه إنما أراد أن يُفرد (٤) لكُل طبقة كتاباً ويأتى بأحاديثها خاصَّة


(١) من ت.
(٢) فى ت: فأنه.
(٣) فى الأصل: السنن.
(٤) فى الأصل: يُعدد.

<<  <  ج: ص:  >  >>