للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِى عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَىَّ

ــ

القرآن وقسمتها، فأطلق اسم الصلاة على قراءة أم القرآن إذا كانت لا تتم إِلا بها، ففيه حجة فى تعيينها فى الصلاة ووجوبها كما قال: " الحج عرفة " (١) وأنه لا واجب من القراءة غيرها، وقال الخطابى: أراد القراءة كما قال: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} (٢) قيل: القراءة (٣).

ومعنى القسمة هاهنا من جهة المعانى؛ لأن نصفها الأول فى حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثانى فى اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله الله فى تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك.

وقوله: بـ "نصفين " حجةٌ على أن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليس من أم القرآن، إذ جملتها سبع آيات ثلاث منها منفردةٌ بحمد الله والثناء عليه، والثلاث الأخرى فى دعاء العبد الهداية، والآية السابعة وسطاً منقسمةٌ، نصفها إخلاص لله وتوحيدٌ واعتراف له وحده بالعبودية وإقرار بما يجب له تعالى من ذلك وهو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُد} (٤)، والنصف الآخر دعاء بالمعونة على ذلك وتفويضٌ لله عز وجل واستسلام له، وهى مختصةٌ بالعبد بما بعدها من الدعاء، وهى آيةً واحدةً باتفاق، فلو كانت بسم الله آية من أم القرآن لم تكن القسمة بنصفين كما نص على ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفى الحديث نفسه أقوى حجةٍ على هذه المسألة؛ لأنه ابتدأ فقال: " يقول العبْدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، يقول الله: حمدنى عبدى، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى على عبدى ... " ثم ذكر جميع آى السورة على ما جاء فى الحديث، ولا خلاف أنها سبع آياتٍ ولم يذكر فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم "، وهذا الحديث أبينُ شىء فى الباب، وإن كان قد جاء من بعض الروايات الشاذة: " يقول العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، فيذكرنى عبدى، ثم يقول: الحمد لله ... " وذكر الحديث، لكن راوى هذه الزيادة محمد بن سفيان وهو ضعيف (٥)، وقد انفرد عن العلماء بهذه الزيادة وخالفه الثقات الحفاظ مالك وابن جريج وابن عيينة فلم يذكروها ولا غيرهم.


(١) الحديث أخرجه أبو داود فى المناسك، ب من لم يدرك عرفة ٢/ ١٩٦، ابن ماجة كذلك، ب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع ٢/ ١٠٠٣، الدارمى فى المناسك، ب بما يتم الحج ١/ ٣٨٦، كما أخرجه الترمذى فى التفسير، ب سورة البقرة جميعًا عن عبد الرحمن بن يعمر، إِلا أن رواية الترمذى أتم، وبلفظ: عرفات ٥/ ٢١٤، وقال فيه سفيان بن عيينة: وهذا أجود حديث رواه الثورى.
(٢) الإسراء ١١٠.
(٣) معالم السنن ١/ ٢٠٣.
(٤) الفاتحة: ٥.
(٥) قلت: غاية أمره أنه حسن الحديث، فقد ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال فيه أبو عبيدة الآجُرى: سمعت أبا داود يثنى عليه، وقال ابن حجر فى التقريب: صدوق. راجع: الثقات ٩/ ١١٩، والتقريب ٢/ ١٦٥، وتهذيب التهذيب ٩/ ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>