للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا بِقِرَاءةٍ ". قَالَ أَبُو هَرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ.

ــ

من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على كل حالٍ، وإليه رجع الشافعى (١) وقاله أكثر أصحابه (٢)، وحجتهم حديث أبى هريرة هذا، وظواهر عموم الأحاديث غيره.

وقوله: " فما أعلن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلنَّاهُ لكم، وما أخفاه أخفيناه عنكم ": لا خلاف أن الصبح والركعتين الأوليين من العتمة والمغرب تقرأ جهرًا، وما عدا ذلك سِرًّا من الفرائض، وعندنا أن العيدين والاستسقاء والوتر جهرًا وما عداها من السنن سِرًّا.

وقد اختلف العلماء فى الجهر فى الاستسقاء والعيدين، وأما صلاة النوافل بالليل والنهار فمن شاء جهر ومن شاء أسرَّ، لكنه يُستحب عندنا الجهرُ بالليل والإسْرَار بالنهار (٣)، واختلف أصحابنا فى السر والجهر هل هو من سُنة الصلاة أو هيآتها؟ (٤) وقد تأوَّل فى المسألة بإعادة المتعمّد وجوبها (٥).

وفى هذا الحديث بالجملة لزوم القراءة لصلاة الجهر والسر بكل حالٍ. وقد زعم بعض أصحاب المعانى أن الحكمة (٦) فى صلاة الليل جهرًا والنهار سِرًّا: أن فى الليل يطرد


(١) وممن قال به الأوزاعى والليث بن سعد، وأبو ثور، وروى ذلك عن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو ابن العاص، وعبد الله بن عباس، وهو قول عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير ومكحول، والحسن البصرى. قال أبو عمر: واختلف فيه عن أبى هريرة. السابق ١١/ ٣٩.
(٢) منهم المزنى، والبويطى.
(٣) قلت: أخرج ابن أبى شيبة عن عبد الكريم قال: صلى رجلٌ إلى جنب أبى عبيدة فجهر بالقراءة فقال له: إن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل تسمع أذنيك. وله عن إبراهيم قال: لا بأس أن يجهر بالنهار فى التطوع إذا كان لا يؤذى أحداً. المصنف ١/ ٣٦٤.
(٤) عبَّر الدردير عن حاصل المذهب المالكى فى المسألة بقوله: إن من ترك الجهر فيما يجهر فيه وأتى بدله بالسر فقد حصل منه نقص، لكن لا سجود عليه إِلا إذا اقتصر على حركة اللسان، وأن من ترك السر فيما يسر فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصل منه زيادة لكن لا سجود عليه بعد السلام، إِلا إذا رفع صوته فوق سماع نفسه ومن يلاصقه، بأن كان يسمعه من بعد عنه بنحو صف فأكثر. الموسوعة الفقهية ١٦/ ١٨٩.
(٥) يرى الحنفية أنه لو جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به تلزمه سجدة السهو؛ لأن الجهر فى موضعه والمخافتة فى موضعها من الواجبات، لمواظبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما، فبتركهما يلزم سجود السهو. السابق، وانظر: فتح القدير ١/ ٣٦٠.
أما الشافعية فإنهم ذهبوا إلى أن من جهر فى موضع الإسرار أو أسر فى موضع الجهر لم تبطل صلاته، ولا سجود عليه، ولكنه ارتكب مكروهاً.
وبقولهم قال الأوزاعى وبما ذهبوا إليه ذهب الحنابلة. هذا إن ترك الجهر والإخفات فى موضعهما عمداً. فإن كان المتروك سهواً ففى مشروعية السجود من أجله روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يشرع، كما هو مذهب الشافعى والأوزاعى، والثانية: يشرع. راجع: المجموع ٣/ ٣٩٠، والمغنى ٢/ ٣١.
(٦) فى الأصل: الحكم، والمثبت من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>