(٢) يقول الإمام الشافعى: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً: منها: أن يكون من حَدَّث به ثقة فى دينه، معروفاً بالصدق فى حديثه، عاقلاً لما يُحدِّثُ به، عالماً بما يُحيلُ معانى الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع، لا يُحدِّثُ به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غيرُ عالم بما يحيل معناه ولم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالة الحديث. الرسالة: ٣٧. ويقول الإمام ابن عبد البر المالكى: الذى اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه فى حال المحدث الذى يقبل نقله ويحتج بحديثه، ويجعل سنة وحكماً فى دين الله: هو أن يكون حافظاً إن حدث من حفظه، عالماً بما يحيل المعانى، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتاب، يؤدى الشىء على وجهه، متيقظاً غير مغفل، وكلهم يستحب أن يؤدى الحديث بحروفه؛ لأنه أسلم له، فإن كان من أهل الفهم والمعرفة جاز له أن يحدّث بالمعنى، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك؛ لأنه لا يدرى لعله يحيل الحلال إلى الحرام. التمهيد ١/ ٢٨. وقد عرض ابن الصلاح لتلك المسألة بقوله: هل يجوز اختصارُ الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض؟. ثم أجاب قائلاً: اختلف أهلُ العلم فيه، فمنهم من منع ذلك مطلقاً بناءً على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقاً، ومنهم من منع ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى، إذا لم يكن قد رواه على التمام مرةً أخرى، ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام. ومنهم من جوَّز ذلك وأطلق ولم يُفصل. وقد رويناه عن مجاهد أنه قال: انقُص من الحديث ما شئت ولا تزدْ فيه. قال: والصحيح التفصيلُ، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف، إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق به، بحيث لا يختلُ البيان، ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فهذا ينبغى أن يجوز وإن لم يجز النقلُ بالمعنى؛ لأن الذى تركه- والحالة هذه- بمنزلة خبرين منفصلين فى أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر. ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتطرقُ إليه فى ذلك تهمةُ نقله أولاً تاماً، ثم نقله ناقصاً، أو نقله أولاً ناقصاً ثم نقله تاماً، فأما إذا لم يكن كذلك فقد ذكر الخطيبُ الحافظ أن من روى حديثاً على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان، أن يتهم بأنه زاد فى أول مرة ما لم يكن سمعه، أو أنه نسى فى الثانى باقى الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه، فواجب عليه أن ينفى هذه الظنَّة من نفسه. المقدمة: ٣٣٥. (٣) فى ت: إنا. (٤) ساقطة من الأصل.