للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " ضَعُوا لِىَ مَاءً فِى المِخضْب " فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ: " أَصلى النَّاسَ؟ " فَقُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فى الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، أَنَّ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاه الَرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا -: يَا عُمَرُ،

ــ

وقوله: " وكان أبو بكر رجلاً رقيقًا ": أى رقيق القلب كثير الخشية سريع الدمعة، كما فسر فى الحديث بعد هذا من قوله: " وكان إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه " وهو بمعنى قوله: " رجل أسيف " فى الرواية الأخرى، والأسيف. قال الإمام: قال الهروى وغيره: يعنى سريع الحزن والبكاء (١)، وهو الأسوف أيضًا، والأسيف فى غير هذا العبد، والأسف الغضبان، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} (٢).

قال القاضى: وقول أبى بكر لعمر: " صل بالناس " بعد أمره له - عليه السلام - لهذه العلة، أو على طريق التواضع، وقول عمر: " أنت أحق بالأمر ": دليل على تقديم الصحابة [له] (٣) وشهادتهم بسبقه.

وفيه: أن للمقدم وللمستخلف أن يستخلف غيره، وفيه: دفع الفضلاء هذه الأمور الخطيرة عن أنفسهم إلى غيرهم.

وقوله: " فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين رجلين " وفى الرواية الأخرى: " يتهادى بين اثنين ": أى يمشى بينهما متكئًا عليهما، والتهادى: المشى الثقيل مع التمايل يمينًا وشمالاً.

وقوله: " تخط رجلاه فى الأرض " إخبار عن مبلغ ضعف قواه، وأن رجليه لم تُقِلَّه، بل كان يجرهم بالأرض ولا يعتمد عليهما.

وقوله: " اشتد به الوجع ": أى المرض، والعرب تسمى كل مرض وجعًا.

وقوله: " أحدهما العباس " كذا فى حديث [عائشة] (٤) وذكر مثله من حديث عُقَيل (٥) عن الزهرى، عن عبيد الله فى رواية الجلودى والنسائى (٦) وسائر رواة مسلم وكذلك رواه البخارى (٧) بهذا السند والذى قبله، ووقع عند ابن ماهان وحده بين الفضل بن


(١) غريب الحديث ١/ ١٥٩، وانظر: النهاية لابن الأثير ١/ ٤٨، وغريب الحديث لابن الجوزى ١/ ٢٦.
(٢) الأعراف: ١٥٠.
(٣) من ت.
(٤) فى ق: به عائشة، وفى الأصل: ابن أبى عائشة، والصواب هو ما جاءت به الرواية.
(٥) عقيل بن خالد الأيلى، مولى عثمان، روى عن أبيه ونافع والزهرى، وغيرهم، وعنه الليث بن سعد، وسعيد بن أبى أيوب وغيرهم، توفى سنة واحد وأربعين ومائة. تهذيب التهذيب ٧/ ٢٥٥.
(٦) النسائى فى الصلاة، ب الائتمام بمن يأتم بالإمام ٢/ ٨٤.
(٧) ك الأذان، ب إنما جعل الإمام ليؤتم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>