للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَوِّى بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلاً بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: " عِبَادَ اللهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُم ".

(...) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوصِ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.

١٢٩ - (٤٣٧) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ، مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلَ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ

ــ

متى يقوم الناس فى الصلاة، ومتى يكبروا بما سيأتى فى موضعه بعد هذا إن شاء الله.

وقوله: " حتى كاد يُكَبِّر فرأى رجلاً بادياً صدره، فقال: عباد الله لتسوّنَ صفوفكم " الحديث دليل على مذهب الجماعة فى جواز الكلام بين الإقامة والصلاة للإمام، أو للحاجة تنزل به من أمر الصلاة وغيرها بعد تمام الإقامة، خلافًا لأبى حنيفة فى أنَّه يجب عليه التكبير إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. وقد اختلف العلماء فى جواز الكلام حينئذٍ أو كراهته.

وقوله: " لو يعلم الناس ما فى النداء والصف الأول لاستهموا عليه "، قال الإمام فى هذا الحديث إثبات القرعة مع تساوى الحقوق (١) وأما تشاحّهم فى الصف الأول فَبَيِّن وجهه، إذ قد لا يحملهم أجمعين، وأما تشاحّهم فى النداء مع جواز أذان الجماعة فى زمن واحد، فيمكن أن يكون أراد أن يؤذن واحدٌ بعد واحد لئلا يخفى [بعضهم صوت بعض فيَتشاحَّوا] (٢) فى التقدمة، فكانت القرعة.

قال القاضى: نحا الداودى إلى أن هذا فى أذان الجمعة، أى لو علموا ما فيه لتسابقوا إليه ولم يبق من يقم مع الإمام الجمعة؛ ولهذا قال عمر: لولا الخليفى لأذنت، والأمير لا يكون فيها مؤذنًا؛ لأن الأذان بين يديه، وظاهر الكلام أن الاستهام فى الصف والأذان جميعًا، وعليه حمله الباجى وغيره قالوا: وقد اختصم قوم بالقادسية فأسهم بينهم سعد بن أبى وقاص. قيل: وهذا يكون إذا استووا فى معرفة الوقت والتقدمة للاقتداء، فيقع الاستهام بينهم إذا تشاحوا فى الابتداء. فأما سائر من يؤذن بعد فلا، وكذلك لو كان مقدَّم لمراعاة الوقت كان أحق من غيره بولايته، وإن ساواه فى معرفته، كما أن السابق إلى الصف أحق به، وإنما يصح الاستهام إذا قدرناه إذا كان وصولهم إليه فى حالةٍ وهو لا يَسَع


(١) إِلا أن يقال: خرج مخرج الحضِّ.
(٢) عبارة المعلم: بعضهم صوت لبعض ويتشاحوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>