للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ، لَاسْتَبَقُوا إِليْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ".

ــ

جميعهم وهم متساوون فى حالهم، ومنهم أهل (١) العلم والأحلام والنهى فهم أحق بالقرب من الإمام بمن سبق إليه منهم دون استهام. وذهب أبو عمر الحافظ إلى أن المراد بذلك الصف الأول وحده، وقال: هذا وجه الكلام، ورد الضمير إلى أقرب مذكور وقال: بذلك جاءت الآثار [له] (٢) مخصصة بالقرعة (٣).

قال القاضى: وقد ذكر مسلم ذلك فى حديث أبى هريرة، والذى عندى فى معنى الحديث الذى جمعهما: أنه ليس ذكر الاستهام فيه على الحقيقة، وإنما هو على المجاز والتمثيل؛ لأنه لو كان لهما جميعًا حقيقة - كما قال غير واحد - لكان الحديث: ثم لم يجدوا إِلا أن يستهموا عليهما، لأنا نحتاج إلى ضمير الاثنين، وضمير الواحد لا يصلح لهما، وإن كان للواحد كما قال أبو عمر بقى النداء بلا جواب، وجاء الكلام [مختلاً] (٤) ولم يفهم المراد بقوله: " لو يعلم الناس ما فى النداء " ولا ما فائدة علمهم بقوله هذا؟ فلم يبق إِلا أن الضمير للأجر والثواب المضمر أو على الفعل المضمر، أى لو يعلم الناس ثواب الدعاء (٥) والصف الأول ثم لم يجدوا الوصول إليه إِلا بالاستهام عليه أو على فعل ما يوجبه هذا الثواب - والاستهام هنا على وجه التمثيل والاستعارة لتحصيله السبق إليه لو كان مما لا يقدر عليه إِلا بالسهم - لوجب ذلك، وعلى هذا يسقط الإشكال فى كيفية الاستهام فى الأذان وتكلف وجه له، ومثل هذا فى كلام العرب وفصيحه موجود كثير.

وفى الحديث حجة لتفضل الصف الأول، وقد اختلف فيه أهو الصف المقدم فيكون هذا الفضل لمن صلى فيه وإن جاء آخرًا؟ أم هو السبق إلى المسجد وإن صلى آخره؟ أم هما فى الأجر سواء وكلاهما صف أول فى المعنى هذا بصورته وهذا بسبقه؟ والأول أظهر وأصح، وقد جاء مبينًا فى أحاديث ذكرها مسلم، منها قوله: " لو يعلمون ما فى الصف المقدم " (٦)، وقوله: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها " (٧)، وقوله: " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله " (٨)، ولأنه قد ذكر فى الحديث نفسه التهجير والمسابقة فدل أنه غير الصف الأول.

وقوله: " ولو يعلمون ما فى التهجير لاستبقوا إليه ": قيل: التهجير: السعى بالهاجرة، وهو النهار وهذا يختص بالجمعة. قال الخليل فى كتاب العين يقال: هجَّر القوم وأهجروا [إذا] (٩) صاروا فى الهاجرة. وقال الهروى: التهجير: التبكير لكل صلاة، وحكى عن الخليل التهجير للجمعة: التبكير لها، وسيأتى الكلام على هذا فى باب الجمعة إن شاء الله تعالى.


(١) فى ت: ذووا.
(٢) ساقطة من ت.
(٣) كحديث أبى هريرة الذى معنا.
(٤) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.
(٥) فى ت: النداء.
(٦) سيأتى برقم (١٣١) بالباب.
(٧) سيأتى برقم (١٣٢) بالباب.
(٨) سيأتى برقم (١٣٠) بالباب.
(٩) من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>