للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهُرِىِّ فِى جَلالتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الحُفَّاظِ المُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الإِتَّفَاقِ مِنْهُمْ فِى أَكْثَرِهِ، فيَرْوِى عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا العَدَدَ مِنَ الحَدِيثِ، مِمَّا لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابهِمَا، وَليْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِى الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

ــ

الشهداء معه ما لم تكن الشهادتان فى صورة المعارضة. وعلى هذا ما ألفَ أئمة الحديث الغرائبَ والأفراد من الحديث وعدُّوه فى الصحيح.

فأما متى جاء ما يعارضه وروت الجماعةُ خلافَه فالرجوع إلى قول الجماعة والحفَّاظ أولى من باب الترجيح، وهذا أيضاً أصل فى الشهادة المتعارضةِ فى مُراعاة الأعدل على المشهور.

واختلف المذهب (١) [فى الترجيح] (٢) فيها بالكثرة.


= اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، إلا أن يتبين غلطُهُ ووهمه فى الشىء فيعرف بذلك، وإنَّ تَفَرُّدَ الثقةِ المتقن يُعَدُّ صحيحاً غريباً. الرفع والتكميل: ١٦٠، ١٦١.
ثم إن الفرق بين تفرد الراوى بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة- فيما ذكره الحافظ ابن حجر فى نكته- أن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة فى روايته لهم، بخلاف تفرده بالزيادة، إذا لم يروها من أتقن منه حفظاً، وأكثر عدداً، فالظن غالب بترجيح روايتهم على روايته، ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن. النكت ٢/ ٦٩١.
وها هنا بحث نفيس لابن الصلاح وابن حجر فى هذه المسألة، يحسن بنا إيراده وذكره، قال- رحمه الله-: ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها، سواء كان ذلك من شخص واحد- بأن رواه ناقصاً مرةً ورواه مرةً أخرى وفيه تلك الزيادة- أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً، خلافاً لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقاً، وخلافاً لمن ردَّ الزيادة منه وقبلها من غيره.
قال: وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد، لأنه يصير شاذاً.
الثانى: ألا يكون فيه منافةً ومخالفةً أصلاً، لما رواه غيره، كالحديث الذى تفرد بروايته جملة ثقة، ولا تعرض فيه .. لما رواه الغيرُ بمخالفة أصلاً فهذا مقبول، لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا معارض لروايته، لأن الساكت عنها لم ينفها لفظاً ولا معنى، لأن مجرد سكوته عنها لا يدل على أن راويها وهم فيها- على أن يكون راويه عدلاً، حافظاً، موثوقاً بإتقانه وضبطه.
الثالث: ما يقع بين هاتين المرتَبتين، مثل زيادة لفظة فى حديث لم يذكرها سائرُ من روى ذلك الحديث. يعنى وتلك اللفظة توجب قيداً فى إطلاق، أو تخصيصاً لعموم ففيه مغايرة فى الصفة، ونوع مخالفة يختلف الحكم بها. فهو يشبه القسم الأول من هذه الحيثية، ويشبه القسم الثانى من حيث إنه لا منافاة فى الصورة. النكت ٢/ ٦٨٧.
(١) يعنى به المذهب المالكى. راجع: المدونة الكبرى ١٢/ ١٦٠ فى شهادة الشاهد على الشاهد.
(٢) فى ت: بالترجيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>