للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس في ظروف الأمكنة أبْهَمُ منَ "لَدَى"، و"عِنْدَ"، ولذلك لزمت الظرفيّةَ، فلم تتمكن تمكن غيرها من الظروف، فجرت لذلك مجرى الحرف في إبهامه. وكان القياس بناء "عِنْدَ" أيضًا؛ لأنّها في معنى "لَدُنْ" و"لَدَى"، وإنّما أُعربت "عِنْدَ"؛ لأنهم توسعوا فيها، فأوقعوها على ما بحضرتك، وما يبعد، وإن كان أصلها الحاضرَ، فقالوا: "عندي مالٌ"، وإن لم يكن حاضرًا، يريد أنه في مِلْكي. وقالوا: "عندي عِلمٌ" ولا يعنون به الحضرةَ. و"لَدَى" لا يتجاوزون به حضرةَ الشيء، فلهذا القدر من التصرف أعربوا "عِنْدَ"، وإن كان حكمُها البناء كـ "لَدُنْ"، و"لَدَى"، وبها جاء التنزيل. قال الله تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (١)، وقال: {مِنْ لَدُنْهُ} (٢) وقال: {مِنْ لَدُنْا} (٣) وقال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (٤)، وقال: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (٥).

وليست "لَدَى" من لفظ "لَدنْ"، وإن كانت من معناها؛ لأن "لَدَى" معتل اللام، و"لَدُنْ"صحيح اللام. وقالوا فيها: "لَدْنِ" بفتحِ اللام وسكون الدال وكسر النون، فإنّهم استثقلوا ضمة الدال، فسكنوا تخفيفًا، كما قالوا في "عَضُد": "عَضْدٍ". ولمّا سكنت الدالُ، والنونُ ساكنة، كسروا النونَ لالتقاء الساكنين، فقالوا: "لَدْنِ".

وقالوا: "لُدْنِ" بضم اللام مع سكون الدال وكسر النون، وذلك أنّهم لما أرادوا التخفيف، نقلوا الضمة من الدال إلى اللام، ليكون ذلك أمارة على الحركة المحذوفة، وكسروا النون لالتقاء الساكنين. فأمّا من قال: "لَدَنْ"، فهي "لَدُنْ" بضم الدال، وإنما سكنوا الدال استثقالًا للضمّة فيها، كما قالوا: "عَضْدٌ"، و"سَبْعٌ". فلما سكنت الدال، وكانت النون بعدها ساكنة، فُتحت الدال لالتقاء الساكنين، وشُبّهت من طريق اللفظ بنحو قولك في الأمر والنهي: "اضْرِبَنْ زيدًا"، و"لا تَضْرِبَنْ عمرًا"، وقد حذفوا النون من "لَدُنْ" تخفيفًا، فقالوا: "من لَدُ الصلاة"، و"لَدُ الحائطِ"، وليس حذفُ النون لالتقاء الساكنين؛ لأنهم قد حذفوها؛ ولا ساكنَ بعدها، أنشد سيبويه [من الرجز]:

٦٤٢ - مِن لَدُ شَوْلًا فإلَى إتْلائِها


(١) النمل: ٦.
(٢) النساء: ٤٠، والكهف: ٢.
(٣) النساء: ٦٧، وغيرها.
(٤) يوسف: ٢٥.
(٥) ق:٣٥.
٦٤٢ - التخريج: الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٣٦١، ٨/ ٣٤٨؛ وتخليص الشواهد ص ٢٦٠؛ وخزانة الأدب ٤/ ٢٤، ٩/ ٣١٨؛ والدرر ٢/ ٨٧؛ وسر صناعة الإعراب ٢/ ٥٤٦؛ وشرح الأشموني ١/ ١١٩؛ وشرح التصريح ١/ ١٩٤؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٣٦؛ وشرح ابن عقيل ص ١٤٩؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٨٤ (لدن)؛ ومغني اللبيب ٢/ ٤٢٢؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٥١؛ وهمع الهوامع ١/ ١٢٢. اللغة: لد: أي لدن بمعنى "عند". الشول: هو مصدر "شال"، وشالت الناقة بذنبها: رفعته. إتلائها: مصدر "أتلى"، وأتلت الناقة: تبعها ولدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>