فـ "سوْفَ" أكثرُ تنفيسًا من السين، ولذلك يُقال:"سوَّفتُه"، إذا أطلتَ الميعاد، كأنّك اشتققتَ من لفظِ "سوْفَ" فعلاً، كما اشتققت من لفظِ "آمِينَ" فعلاً، فقلتَ:"أمَّنتُ" على دُعائه. ولو كان أصلهما واحدًا، لكان معناهما واحدًا، مع أنَّ القياس يأبى الحذف في الحروف. وأمّا "سَوْ أفعلُ"، و"سَوْ أفعلُ"، فحكايةٌ يفرُد بها بعضُ الكوفيين مع قلّتها.
ومن ذلك "لا"، وهي مختصّة بنفي المستقبل، فهي نفيُ "يَفعَلُ"، إذا أريد به الاستقبالُ.
وقوله:"لَيَفعَلَن جوابُ لا يفعل"، يريد أنّ "لا يَفعَلُ" يُتلقّى به القسمُ في النفي إذا أُريد المستقبل، كما أنّك تَتَلقّى القسمَ في طرف الإيجاب بقولك:"لَيفعلنّ"؛ لأنّ النون توكيدٌ، وتصرف الفعلَ إلى المستقبل كـ"لا".
وأمّا "لَن"، فتنفي المستقبلَ أيضًا، وهي أبلغُ من "لا"، وهي جوابُ "سيفعل".
وأمّا "أنْ"، فإذا دخلت على الأفعال المضارعة، خلّصتْها للاستقبال، وعملت فيها النصبَ، ولذلك اختصّت بالدخول في خبرِ "عَسى"؛ لأنّ معناها الطَّمَعُ والرَّجاءُ. وذلك إنّما يكون فيما يُستقبل من الزمان. ولمّا لم يُمْكِن الشاعرَ أن يأتِي بـ "أنْ" في خبرها، عدل إلى نظيرتها، وهي السين، فقال [من الطويل]:
عسى طيّئ ... إلخ
والمعنى عسى طيّىءٌ تَقتصُّ من طيّىء، أي: بعضُهم يقتصّ من بعض، فتَبْرُد غُلاّتِ الكُلى، أي: حَرَّ غُلاّتِ الحقد والغَيظِ. وقد تقدّم الكلام على ذلك كلّه، فاعرفه.
[فصل [شبهها بـ "أن" في سبكها مع ما بعدها بمصدر]]
قال صاحب الكتاب: وهي مع فعلها ماضياً أو مضارعاً بمنزلة "أن" مع ما في حيزها.
* * *
قال الشارح: يريد أنّ "أن" الخفيفة ينسبك منها ومن الفعل الذي بعدها مصدرٌ، فيكون في موضع رفع بأنّه فاعلٌ، أو مبتدأٌ، أو في موضعِ نصب بأنّه مفعولٌ، أو في موضعِ مجرور بالإضافة.
فمثالُ كونها فاعلةً قولُك:"أعجبني أن قمتَ"، والمراد: قيامُك، وزمان ذلك المصدر المُضِيّ؛ لأن فعله الذي انسبك منه كان ماضيًا. وكذلك لو كان فعله مضارعًا، نحوَ قولك:"يسُرّني أن تُحسِن"، والمراد: إحسانُك، فهو مصدرٌ زمانُه المستقبل، أو الحال كما كان الفعلُ كذلك.