للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أصناف الفعل

أفعالُ المقاربة

[فصل [أحكام "عسي"]]

قال صاحب الكتاب: منها "عسى", ولها مذهبان: أحدهما أن تكون بمنزلة "قارب"، فيكون لها مرفوع ومنصوب، إلا أن منصوبها مشروط فيه أن يكون "أن" مع الفعل متأولاً بالمصدر, كقولك: "عسى زيد أن يخرج" في معنى: قارب زيد الخروج. قال الله تعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح} (١). والثاني أن يكون بمنزلة "قرب"، فلا يكون لها إلا مرفوع، إلا أن مرفوعها "أن" مع الفعل في تأويل المصدر, كقولك: "عسى أن يخرج زيد" في معنى قرب خروجه. قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} (٢).

* * *

قال الشارح: معنى قولهم: "أفعال المقاربة"، أي: تفيد مقاربةَ وقوع الفعل الكائن في أخبارها. ولهذا المعنى كانت محمولة على باب "كان" في رفع الاسم ونصب الخبر. والجامعُ بينهما دخولهما على المبتدأ والخبر، وإفادةُ المَعنى في الخبر. ألا ترى أنّ "كانَ" وأخواتها إنما دخلت لإفادة معنى الزمان في الخبر، كما أن هذه الأفعال دخلت لإفادة معنى القرب في الخبر؟

فمن ذلك "عَسى"، وهو فعل غير متصرّف، ومعناه المقاربة على سبيل الترجّي. قال سيبويه (٣): معناه الطمَع والإشفاق، أي: طمعٌ فيما يستقبل، وإشفاقُ أن لا يكون. واعلم أن أصل الأفعال أن تكون متصرّفة من حيث كانت منقسمة بأقسام الزمان، ولولا ذلك، لأغنت المصادرُ عنها. ولهذا قال سيبويه (٤): فأمّا الأفعال فأمثلة أُخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبُنيت لِما مضى، ولما يكون، ولما هو كائن لم ينقطع.

وهذه "عَسَى" قد خالفت غيرَها من الأفعال، ومُنعت من التصرّف، وذلك لأُمور؛ منها: أنهم أجروها مجرى "لَيْسَ"، إذ كان لفظها لفظ الماضي، ومعناها المستقبل, لأنّ


(١) المائدة: ٥٢.
(٢) البقرة: ٢١٦.
(٣) الكتاب ٤/ ٢٣٣.
(٤) الكتاب ١/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>