قال صاحب الكتاب: و"لا" التي يكسعونها بالتاء وهي المشبهة بـ "ليس" بعينها, ولكنهم أبوا إلا أن يكون المنصوب بها حيناً. قال الله تعالى:{ولات حين مناص}(١) أي: "ليس الحين حين مناص".
* * *
قال الشارح: قد تقدّم القول: إنّ "لا" تُشبَّه بـ "لَيْسَ"، وتعمل عملها، كما شُبّهت بها "ما" في لغةِ أهل الحجاز، فرفعوا بها الاسمَ، ونصبوا الخبر، فقالوا:"لا رجلٌ أفضل منك"، و"لا أحد خيرًا منك". وربّما أدخلوا في خبرها الباء تشبيهًا بـ "ما"، فقالوا:"لا رجل بأفضلَ منك"، و"لا أحدٌ بخيرٍ منك"، إلَّا أن "ما" أقعدُ من "لا" في الشَّبَه بـ "لَيْسَ"، ولذلك كانت أعمَّ تصرُّفًا وأكثر استعمالًا، والكثير في "لا" أن تنصب النكرة حملًا على "إنَّ". ولمّا جوّزوا فيها رفعَ الاسم، ونصبَ الخبر، لم يخرجوا عن حكمها في أقوى حالها، وهو نصبُ الاسم، ورفعُ الخبر، فلم يُفصَل بينها، وبين ما عملت فيه، ولم تعمل إلَّا في نكرة. فأمّا إذا لحِقها تاء التأنيث، وقيل:"لاَتَ"، فالقياسُ أن تكون المشبَّهة بـ "لَيْسَ"، لأنّها في معنى ما تدخله تاء التأنيث. وليست كذلك الناصبةُ, لأنّها في معنى "إنَّ". وليست "إنَّ" ممّا تدخله تاءُ التأنيث، ولأنّه وقع بعدها المرفوعُ من غير تكرير، فعُلم أنّها بمعنى "ليس"، إذ لو لم تكن بمعنى "ليس"، لزم تكريرُها.
وقوله:"يكسعونها"، أي: يُتْبعونها في آخِرِ الكلمة، يقال: كَسَعَهُ، أي: ضربه من خَلْفُ، وهذه استعارةٌ لزيادة التاءَ آخرًا, ولا تعمل هذه إلَّا في الأحيان خاصّةً سواءً نَصَبَتْ، أو رفعتْ. والعِلّةُ في ذلك أنها في المَرْتَبة الثالثة، فـ "لَيْسَ" أقوى, لأنّها الأصل، ثمّ "مَا"، ثمّ "لَاتَ". فأمّا قوله تعالى:{وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}(١)، فإنّه قد قُرىء:{وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بالرفع. والنصبُ أكثر، فالنصبُ على أنّه الخبرُ، والاسمُ محذوفٌ، والتقديرُ. ولات حينٌ نحنُ فيه حينَ مناص. ولا يقدَّر الاسم المحذوف إلَّا نكرةً؛ لأنّ "لا" إذا كانت رافعةً لا تعمل إلاّ في نكرة كما إذا كانت ناصبة، وقد تقدّم الكلام على ذلك في المرفوعات، فاعرفه.