وزعم أن منهم من ينوّن، فيقول:"ليس غيرٌ"، وإذا كانت هذه المبنيّة ظرفًا، وجب أن تكون "أوّل" المبنية ظرفًا أيضًا، ولا تكون ظرفًا حتى تكون صفةً، ولا تكون صفة حتى تكون "مِنْ" معها مرادة، أو مضافةً إلى ما يُعاقِب الإضافةَ؛ وأمّا الاسم، فهو ما حذف منه "مِنْ" وليست مرادة، نحو قولهم:"ما تركتُ له أوّلًا، ولا آخِرًا"، أي: قديمًا ولا حديثًا؛ فأمّا قوله:
يا ليتها كانت .... إلخ
فالشاهد فيه حذف "مِنْ" من الصفة، وهو يريدها، ولذلك لم يصرف "أوّل"، وهو مخفوض على الصفة لـ "عام"، ويجوز أن يكون منصوبًا على الظرف، أي: في جدب عامٍ قبلَ هذا العام، يتحسّر على ذهاب إبله في أخصبِ سنة، ويتمنّى لو أنها غَنِمَها أهلُه، أو هلكت في عام الجدب.
وقالوا:"الله أكبرُ"، والمراد أكبر من كلّ شيء، يدل على ذلك أنّه لو لم تكن "مِنْ" مرادة؛ لوجب صرف الاسم كما وجب صرفُ "أفكَل" ونحوه ممّا هو على "أفعل"، ولا معنى للوصف فيه، وإذا لم ينصرف، دلّ على أن "مِنْ" مرادة، وأنّها كانت محذوفة من اللفظ، فهي في حُكم المُثْبَت.
ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}(١)، ويجوز أن يكون "أهون" ها هنا بمعنَى "هَيّن"؛ لأنّه سبحانه ليس عليه شيء أهونَ من شيء. فأمّا قول الفردزق:
إن الذي سمك السماء ... إلخ
فالشاهد فيه حذفُ "مِنْ" أيضًا، أي أعزّ من غيره، وأطول من غيره، "وأطول" ها هنا من "الطَّوْل" الذي هو الفضل، لا من "الطُّول" الذي هو ضدّ القِصَر، ودلّ على إرادة "مِنْ" امتناعه من الصرف. يصف قومه وبيته، وأنّ دعائم بيته أعزُّ دعامة وأكرمُها، فاعرفه.
[فصل [حكم "آخر"]]
قال صاحب الكتاب: ولآخر شأن ليس لأخواته, وهو أنه التزم فيه حذف "مِنْ" في حال التنكير، تقول:"جاءني زيدٌ آخر"، و"مررت به وبآخر", ولم يستو فيه ما استوى في أخواته حيث قالوا:"مررت بآخرَين, وآخرِين, وأُخرى, وأخريين, وأُخر وأخريات".
* * *
قال الشارح:"آخَرُ": "أفعلُ" صفةً، و"مِنْ" محذوفة منه مرادة في التقدير، ولذلك