للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوجِب له كلَّ حال إلّا القيامَ، إذ من المُحال اجتماعُ القعود والاضطجاع، فلذلك ساغ البدلُ في المنفيّ، ولم يسُغ في الموجب.

فأمّا قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (١)، فشاهدٌ على اختيار البدل في النفي، وذلك لإجماعِ القُرّاء على رفعِ "قَلِيل" إلّا أهلَ الشام (٢)، فإنّهم نصبوه على أصل الباب.

وأمّا قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} (٣) فإنّ الجماعة قرؤوا بالنصب إلّا أبا عمرو، وابنَ كَثِير، فإنّهما قَرَآ: "امرأتُك" بالرفع، وإنّما كان الأكثرُ النصبَ ها هنا, لأنّه استثناءٌ من موجب وهو قولُه: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} (٤). ولم يجعلوه مِن "أحَدٌ"؛ لأنّها لم يكن مُباحًا لها الالتفاتُ. ولو كانت مستثناةَ من المنهيّ، لم تكن داخلة في جملةِ مَن نُهى عن الالتفات، ويدلّ على أنّه لم يكن مباحًا لها الالتفاتُ قولُه تعالى: {مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} (٥)، فلمّا كان حالُها في العَذاب كحالهم؛ دلّ على أنّها كانت داخلة تحت النهي دخولهم. وأمّا مَن قرأ بالرفع، فقِراءةٌ ضعيفةٌ، وقد أنكرها أبو عُبَيْد، وذلك لِما ذكرناه من المعنى. ومجازُها على أنّ يكون اللفظُ نَهْيًا، والمعنى على الخبر، كما جاء الأمرُ بمعنى الخبر كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (٦). ألا ترى أنه لا معنَى للأمر ههنا، وإنما المرادُ: مَدَّهُ الرَّحمنُ مَدَّا، ومنه {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (٧)، وهو كثيرٌ في كلامهم.

* * *

[[المستثني المجرور]]

قال صاحب الكتاب: "والثالث مجرور أبداً , وهو ما استثنى بـ "غيرٍ", و"حاشا" و"سوى", و"سواءٍ", والمبرد يجيز النصب بـ "حاشا"".

* * *

قال الشارح: أصلُ الاستثناء أنّ يكون بـ "إلَّا"، وإنّما كانت "إلّا" هي الأصلَ، لأنّها حرفٌ، وإنّما يُنقَل الكلام من حَدّ إلى حدّ بالحروف، كما نقلت "ما" في قولك: "ما قام زيدٌ" من الإيجاب إلى النفي، وكذلك حرفُ الاستفهام ينقُل من الخبر إلى الاستخبار في قولك: "أقام زيدٌ؟ " وكذلك حرفُ التعريف ينقل من النكرة إلى المعرفة. فعلى هذا تكون "إلّا" هي الأصلَ؛ لأنّها تنقل الكلامَ من العمُوم إلى الخصوص، وتكتفي


(١) النساء: ٦٦.
(٢) قرأ بالرفع ابن عامر، وعيسى بن عمر، وأنس، وغيرهم. انظر: البحر المحيط ٣/ ٢٨٥؛ وتفسير القرطبي ٥/ ٢٧٠؛ والكشاف ١/ ٢٧٨؛ والشر في القراءات العشر ٢/ ٢٥٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ١٤٣.
(٣) هود:٨١.
(٤) هود: ٨١.
(٥) هود: ٨١.
(٦) مريم: ٧٥.
(٧) مريم: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>