إنّني أتيتُك مستحمِلاً، لا مستوصِفًا، فلَعَنَ الله ناقةً حملتْني إليك. فقال ابنُ الزُّبَيْر: "إنَّ وراكِبَها"، وانصرف عنه، وكان مُبخَّلاً، فذَمَّه، ومدح بني أُميّة، فقال [من الوافر]:
أقُولُ لغِلْمَتِي شُدُّوا رِكابي ... أُجاوِزُ بَطْنَ مَكَّةَ في سَوادِ
فَمَا لي حِينَ أقْطَعُ ذاتَ عِرْقٍ ... إلى ابن الكاهِليّة من مَعادِ
أرَى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ في البِلادِ
قوله: "ابن الكاهليّة" يعني أُمَّه، وكانت من كاهِل، وهو حَيٌّ من هُذَيْل. ولمّا بلغ عبدَ الله هذا الشعرُ، قال: عَلِمَ أنّها شَرُّ أُمّهاتي، فعَيَّرَني بها، وهي خير عَمّاته. وأبو خُبَيْب عبدُ الله بن الزبير، وخبيبٌ ابنُه، وهو أكبرُ أولاده، وكان يُكْنَى به، قال الراعِي [من الكامل]:
ما إنْ أتَيْتِ أبَا خُبَيْبٍ وافِدًا ... إلَّا أُريدُ لَبَيْعَتِي تَبْدِيلَا
وقوله: نكدن، أي: ضِقْنَ، وَبَعُدْنَ. والنَّكَدُ: ضَيْقُ العَيْش. وأراد بالبلاد ما كان من بلادِ عبد الله، وفي طاعته زمنَ خِلافته.
وأمّا قوله: "لا بَصْرَةَ لكم"، فالمراد: لا مثلَ بصرةَ لكم، والبصرةُ هنا أحدُ العِراقَيْن. وقولهم: "قَضيّةٌ ولا أبا حسنٍ لها"، المراد عليُّ بن أبي طالِبٍ، رِضوانُ الله عليه، أي: مثلَ أبي الحسن. كأنّه نفي منكورِين كلُّهم في صفةِ عليّ، أي: لا فاضلَ، ولا قاضِيَ مثلَ أبي الحسن. فالمرادُ بالنفي هنا العمومُ، والتنكيرُ، لا نفيُ هؤلاء المعرَّفين، وعَلِمَ المخاطَبُ أنّه قد دخل هؤلاء في جملةِ المنكورين. وليس المعنى على نفي كلِّ مَن اسمه هَيْثَمٌ، أو أُمَيَّةُ، أو عليٌّ، وإنّما المراد نفيُ منكورين كلُّهم في صفةِ هؤلاء. فالعَلَمُ إذا اشتهر بمعنًى من المعاني، ينزَّل منزلةَ الجنس الدالِّ على ذلك المعنى، فالمعنى الذي يُقال هذا الكلامُ عنده هو الذي يسوِّغ التنكيرَ، وذلك أنَّه إنّما يُقال لإنسانٍ يقوم بأمْرٍ من الأمُور له فيه كِفايةٌ، ثمّ يحضُر ذلك الأمرُ، ولم يحضر ذلك الإنسانُ، ولا مَن كَفَى فيه كفايتَه، فاعرفه.
وأمّا "لا سِيَّمَا زيدٍ"، فـ "السِّيُّ": المثلُ، فكأنّه لا مِثْلَ زيدٍ، فهو نكرةٌ من جهة المعنى.
[فصل [أحكام اسمها إذا كان بعده لازم الإضافة]]
قال صاحب الكتاب: "وتقول: "لا أبَ لك". قال نَهارُ بن تَوْسِعةَ اليَشْكُرِيُّ [من الوافر]:
٣٢٧ - أبي الإسْلامُ لا أبَ لي سِواهُ ... إذا افْتَخَروا بقَيسٍ أو تَمِيمِ
٣٢٧ - التخريج: البيت لنهار بن توسعة في الدرر ٢/ ٢١٨؛ والكتاب ٢/ ٢٨٢؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٠٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٤٥.