للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى في النفي: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (١)، وقال: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (٢)، وقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (٣).

وتقول: "فارقني زيدٌ لكنّ عمرًا حاضرٌ"، فكلّ واحدة من الجملتين إيجابٌ، إلَّا أنّ معناهما متغايِرٌ، فاكتُفي بمعنى الخبر الثاني عن تقدُّم النافي. ونظائرُ ذلك كثيرةٌ. قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} (٤)، فيحتمل أمرَيْن، أحدهما: ما ذكره وهو أن قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} في معنى: ما أراكهم كثيرًا لوجودِ السلامة ممّا ذكر. والثاني أنّه أتي به موجبًا؛ لأنّ الأوّل منفىٌّ؛ لأنّ ما بعد "لَوْ" يكون منفيًا، فصار المعنى: ما أراكهم كثيرًا، وما فشلتم ولا تنازعتم، ولكن الله سلم.

[فصل [تخفيف "لكن"]]

قال صاحب الكتاب: وتخفف, فيبطل عملها كما يبطل عمل "إن", و"أن". وتقع في حروف العطف على ما سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى.

* * *

قال الشارح: اعلم أنهم قد يخفّفون "لكِنَّ" بالحذف لأجل التضعيف، كما يخفّفون "إنْ"، و"أنّ"، فيسكن آخِرُها، كما يسكن آخرُهما؛ لأن الحركة إنما كانت لالتقاء الساكنين، وقد زال أحدهما، فبقي الحرف الأوّل على سكونه. ولا نعلمها أُعْملت مخفّفةً كما أعملتْ "إنْ"، وذلك أنّ شَبَهَها بالأفعال بزيادة لفظها على لفظ الفعل؛ فلذلك لمّا خُفّفت وأُسكن آخِرها، بطل عملُها، إلَّا أنّ معنى الاستدراك باقٍ على حاله. ولذلك دخلت في باب العطف، إذ كان حكمُها أن تقع بين كلامَيْن متغايِرَيْن، وهي في العطف كذلك. قال أبو حاتم: إذا كانت "لكن" بغير واو في أوّلها؛ فالتخفيف فيها هو الوجه، نحوُ: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (٥) ونحوِه؛ لأنها بمنزلةِ "بَل" من جهةِ أنها لا تدخل عليها الواو؛ لأنها من حروف العطف. وإذا كانت الواو في أوّلها، فالتشديد فيها هو الوجه، وإن كان الوجهان جائزَيْن فيها.

وكان يونس يذهب إلى أنّها إذا خُفّفت لا يبطل عملها، ولا تكون حرف عطف، بل تكون عنده مثلَ "إنْ"، و"أنْ"، فكما أنّهما بالتخفيف لم يخرجا عمّا كانا عليه قبل


(١) الأنفال: ١٧.
(٢) الحج:٢.
(٣) البقرة: ٢٥١.
(٤) الأنفال: ٤٣.
(٥) النساء: ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>