"كُلُّ الرجل" مبالغةً فيه. وهو، مع قُبْحه، جائزٌ؛ لأنه لو لم يذكُر عبد الله، وقال:"هذا كلُّ الرجل"، جاز ودل على معنى المبالغة والكَمالِ، ولأنّ "عبد الله" رجلٌ، فكأنّك قلت:"هذا الرجلُ المدعوُّ عبد الله كلُّ الرجل".
ولا فرق بين المعرفة والنكرة في صفاتِ المدح، تقول:"مررت برجلٍ كُلّ رجل"، و"هذا عالمٌ حَقٌّ عالم"، كما لا فرق بين أن تقول:"مررت بالعالم الكامل في عِلْمه"، وبين "مررت برجلٍ كاملٍ في علمه".
وتقول:"مررت برجلٍ رجلِ صِدْقٍ، وبرجلٍ رجلِ سَوْءٍ"، كأنّك قلت:"مررت برجلٍ صالح"، و"مررت برجلٍ فاسدٍ"؛ لأنّ الصدق صَلاحٌ، والسوْءَ فَسادٌ، وليس الصدقُ هاهنا صدقَ اللسان. ألا تراك تقول:"ثَوْبُ صِدْقٍ"، و"حمارُ صِدْقٍ"؟ إنَّما الصدقُ في معنى الجَوْدة والصَّلاحِ، فكأنّك قلت:"مررت برجلٍ ذي صلاح". وكذلك السَّؤءُ ليس من "ساءني يَسُوءني"، إنَّما السَّؤء ها هنا بمعنى الفساد، فكأنّه قال "برجلٍ صاحب فسادٍ، وبحمارٍ ذي رداءةٍ".
وقولهم:"مررت برجلٍ أسَدٍ" ضعيفٌ عند سيبويه أن يكون نَعْتًا؛ لأنّ الأسد اسمُ جنس جَوْهَرٌ، ولا يُوصَف بالجواهر. لو قلت:"هذا خاتَمٌ حديدٌ، أو فِضّةٌ"، لم يحسن. إنّما طريقُ الوصف التَّحْلِيَةُ بالفعل، نحو:"آكِلٌ"، و"شاربٌ"، ونحوهما. ومُجازُه على حذفِ مضاف، تقديره: مِثْلِ أسد. و"مثلٌ" بمعنى "مُماثِل"، فهو مأخوذٌ من الفعل، وإنّه واقعٌ موقعَ "جَرِيءٍ"، أو"شديدٍ".
وقد أجاز أن يكون حالًا، فتقول:"هذا زيدٌ أسَدَ شِدَّةٍ" من غير قُبْح. واحتجّ بأنّ الحال مجراها مجرى الخبر، وقد يكون خبرًا ما لا يكون صفةً. ألا تراك تقول:"هذا مالُك درهمًا"، و"هذا خاتَمُك حديدًا"؟ ولا يحسن أن يكون وصفًا. وفي الفرق بينهما نَظَرٌ، وذلك أنّه ليس المرادُ من الأسد شخصَه، وإنَّما المرادُ أنّه في الشدّة مثله. والصفةُ والحالُ في ذلك سواءٌ، وليس كذلك الحديدُ والدرهمُ، فإنّ المراد جَوْهَرُهما، فاعرفه.
[فصل [الوصف بالمصدر]]
قال صاحب الكتاب: ويوصف بالمصادر كقولهم رجل عدل وصوم وفطر وزور ورضي، وضرب هبر، وطعن نثر، ورمي سعر، ومررت برجل حسبك وشرعك وهدك وكفيك وهمك ونحوك، بمعنى محسبك وكافيك ومهمك ومثلك.
* * *
قال الشارح: قد يوصَف بالمصادر كما يوصف بالمشتقات، فيقال:"رجلٌ فَضْلٌ"؟، و"رجلٌ عَدْلٌ"، كما يقال:"رجلٌ فاضلٌ وعادلٌ". وذلك على ضربَيْن: مفردٌ، ومضافٌ.